الموقف الثالث:
وهو موقف الصحابي الجليل: نعيم بن مسعود -رضي الله عنه- فقد أسلم في غزوة الأحزاب، التي صور الله حالة الصحابة فيها بالقرآن تصويرًا واضحًا، وكيف أن الكفار أحاطوا بمدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبصحابته الكرام، وجنده الأبرار إحاطة السوار بالمعصم، فقال - تعالى - : {إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: 10 - 11].
وقد بانت في هذه الغزوة صورة المنافقين الكالحة، وصفاتهم القبيحة؛ حيث قالوا: {مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: 12].
وفي معترك الأحداث التي اشتبكت فيها الأمور، واختلط فيها الحابل بالنابل، صنع الله -تبارك اسمه- كما قال ابن القيم في زاد المعاد (3 / 273) أمرًا من عنده، خذل به العدو، وهزم جموعهم، وَفَلَّ حَدَّهُمْ، فكان مما هيأ الله من ذلك: أن رجلاً من غطفان يقال له: نعيم بن مسعود بن عامر -رضي الله عنه- جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا رسول الله! إني قد أسلمت؛ فمرني بما شئت». ولم يكن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أن يقبل إسلام ذلك الصحابي الجليل، ثم قال له بعد أن طلب منه نعيم بن مسعود أن يأمره بما شاء: «إنما أنت رجل واحد؛ فخذِّلْ عنا ما استطعت؛ فإن الحرب خدعة». فألهم الله هذا الصحابي أن يفعل فعلة يسطرها له التأريخ في أنصع أوراقه، وأجمل إفتخاراته، وخلاصتها: أنه ذهب إلى اليهود وإلى قريش والقبائل التي تمالأت على حرب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فأفسد كل طائفة على صاحبتها، حتى جعلهم أعداءًا، وفرَّق كلمتهم، وأضعف ثقة كل فئة بالأخرى، فتخاذلوا جميعًا عن الحرب، ثم أرسل الله عليهم جندًا من جنده من الريح العاصفة، والملائكة المرسلين فقوضت خيامهم، ولم تدع الريح قدرًا إلا كفأتها، ولا طنبًا إلا قلعته، وكفى الله المؤمنين القتال. فله الحمد والشكر [3].
وكان بداية غيث المسلمين بالنصر هي همة نعيم بن مسعود، رضي الله عنه؛ فقد أسلم، ثم فكر وقدر، فنِعْمَ ما قدر؛ فسلام الله عليه؛ فلم يكثر الكلام، بل جعل الجوارح تتكلم وتعمل، وصح فيه قول الشاعر:
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم مَذِقُ اللسان يقول ما لا يفعلُ
وإلى هنا أتوقف عن ذكر المواقف التي تثير همم الفطناء، وتاريخ المسلمين مليء بمثل هذه المواقف الفردية العظيمة. وكأنهم جميعًا يوصون بما قاله الأول: "وكن رجلاً من أتوا بعده يقولون مَرَّ وهذا الأثر".
وللعلم فإني لم أذكر مواقف الأنبياء العظماء -عليهم الصلاة والسلام- فمواقفهم كثيرة لا تحصر، ولكن خشية إن ضربت بهم مثلاً أن يقول أحد: ومن نحن عند هؤلاء الأنبياء العظام؟! عليهم الصلاة والسلام.
لذا ضربت أقل ما نرى في هذا الوجود همة مثل النملة والهدهد، ثمَّ أحد المواقف البشرية التي قام بها أحد الصحابة -رضي الله عنه- لعلها تقدح في أنفسنا نسائم الإرادة، و ليعلم المسلم سبب وجوده في الحياة؛ فلم يُخلق عبثًا، بل خلق للعمل والعبادة والإبتلاء والتمحيص... فلا بد من استشعار المسؤولية الفردية التي كلفه الله بها؛ فقد قال -تعالى-: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92 - 93]، وقال: {وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 93] وقال -تعالى-: {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا * لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 93 - 95].
ثم إنه -تعالى- أوصانا بالعمل جميعًا، فقال: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105]؛ فالعمل لهذا الدين مسؤولية الجميع. أيا صاحِ هذا الركب قد سار مسرعًا ونحن قعود ما الذي أنت صانع؟ أترضى بأن تبقى المخلَّفَ بعدهم صريعَ الأماني والغرام ينازع فـ {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42].
وما أجمل ما خطته يد ابن الجوزي حين كتب: "أول قدم في الطريق: بذل الروح... هذه الجادة؛ فأين السالك؟!!" [4].
وهناك ثمة تساؤلات يسألها المرء نفسه: (كيف العمل، وبماذا أبدأ، وكيف أخطط؟) فأقول: انظر إلى هديه -عليه الصلاة والسلام- وسيرته في كيفية العمل لهذا الدين، وتجميع الناس تحت عقيدة الإسلام، ومحاربة المناوئين لهذه العقيدة؛ ولذا دخل الناس في هذا الدين راضين مقتنعين، وحج معه -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع أكثر من مائة وعشرين ألف صحابي -رضي الله عنهم أجمعين-وكل ذلك بعد توفيق الله من إرادة جبارة، وهمة وثابة... {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90].
لا تقل كيف ولا أين الوصول واتَّبع خير الملا ذاك الرسول. واقرأ سير المصلحين والقادة، واستفد من تجارب الباقين، واسأل الله أن ينفع بك الإسلام، وتعلق بالله ولا تتعلق بأحد سواه. ولا تلتفت هنا أو هناك ولا تتطلع لغير السماء واسأله -تعالى- أن يجعلك مباركًا حيثما كنت؛ فقد كان هذا حال عيسى -عليه الصلاة والسلام- حين قال: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ} [مريم: 31]. فكن كالغيث أينما حل نفع. وإن أول البداية هي أن تبدأ بنفسك؛ وفي المثل: "احرص على إصلاح الذات قبل إصلاح الذوات"... ومن قاد نفسه قاد العالم. وانشط لدين الله لا تكن متكاسلاً واعمل على تحريك ما هو ساكن. فإن كان في نفسك كسل أو خمول، أو بدع وضلالات وشركيات، أو معاصٍ وانحرافات، فابتعد عنها وغيِّر ما بنفسك من تلك النواقص؛ فلعل الله أن يغيِّر بك حال المسلمين، وينفع بك في مواطن كثيرة تسعد بها إذا رأيتها مكتوبة في صحائف عملك يوم القيامة و (حَرِّكْ تَرَ). لكن عليك بامتلاك الإرادة والهمة:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة *** فإن فساد الرأي أن تترددا
وأول الغيث قَطْرٌ؛ فكيف تطمح إلى العمل لهذا الدين ولم تتمكن الإرادة من سويداء قلبك، ولم تعزم على استسهال المصاعب، وتيسير العويص..... فإن كنت ذا همة فستقول قطعًا:
لأستسهلن الصعب أو أدركَ المنى فما انقادت الآمال إلا لصابرِ
وحذار من التسويف؛ فإنه رأس الأماني، وداء العمل، وقاتل الهمم، وحجة المفلسين. فلا تبق فعل الصالحات إلى غدٍ لعل غدًا يأتي وأنت فقيدُ. بل ردد بكل قوة وعزم:
أليس من الخسران أن لياليًا تمر بلا نفع وتحسب من عمري
وصح في الآفاق:
سأنفق ريعان الشبيبة دائمًا على طلب العلياء مع طلب الأجر
وبقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى، ومن يعرف المقصود يحقر ما بذل، ومن المقت إضاعة الوقت، ولكل جيل قيادته؛ فلنكن خير قادة لجيل الحاضر والمستقبل؛ وذلك كله بالتعاون والتكامل لا بالمطاحنة والتآكل، فالجاهلية المنظمة لا يقلبها إلا إسلام منظم، ولتكن وحدتنا واجتماعنا على كتاب الله وسنة رسوله، وتحت لواء أهل السنة والجماعة، فوحدة صفنا تكون معهم لا مع غيرهم من أهل البدع المنحرفين، أو الفرق الضالة.
وختامًا:
ما أجمل كلام الإمام محمد الخضر حسين في كتابه الرائع (السنة والبدعة)... حين كتب: "وإنما يتحد المسلمون تحت راية من يحترمونه لعدله واجتهاده في الحق جهادًا يطمس على أثر الباطل، وإنما يقيم أحكام الشريعة على وجهها من يكون في لسانه حجة وفي يده قوة"[5].
وهو موقف الصحابي الجليل: نعيم بن مسعود -رضي الله عنه- فقد أسلم في غزوة الأحزاب، التي صور الله حالة الصحابة فيها بالقرآن تصويرًا واضحًا، وكيف أن الكفار أحاطوا بمدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبصحابته الكرام، وجنده الأبرار إحاطة السوار بالمعصم، فقال - تعالى - : {إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: 10 - 11].
وقد بانت في هذه الغزوة صورة المنافقين الكالحة، وصفاتهم القبيحة؛ حيث قالوا: {مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: 12].
وفي معترك الأحداث التي اشتبكت فيها الأمور، واختلط فيها الحابل بالنابل، صنع الله -تبارك اسمه- كما قال ابن القيم في زاد المعاد (3 / 273) أمرًا من عنده، خذل به العدو، وهزم جموعهم، وَفَلَّ حَدَّهُمْ، فكان مما هيأ الله من ذلك: أن رجلاً من غطفان يقال له: نعيم بن مسعود بن عامر -رضي الله عنه- جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا رسول الله! إني قد أسلمت؛ فمرني بما شئت». ولم يكن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أن يقبل إسلام ذلك الصحابي الجليل، ثم قال له بعد أن طلب منه نعيم بن مسعود أن يأمره بما شاء: «إنما أنت رجل واحد؛ فخذِّلْ عنا ما استطعت؛ فإن الحرب خدعة». فألهم الله هذا الصحابي أن يفعل فعلة يسطرها له التأريخ في أنصع أوراقه، وأجمل إفتخاراته، وخلاصتها: أنه ذهب إلى اليهود وإلى قريش والقبائل التي تمالأت على حرب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فأفسد كل طائفة على صاحبتها، حتى جعلهم أعداءًا، وفرَّق كلمتهم، وأضعف ثقة كل فئة بالأخرى، فتخاذلوا جميعًا عن الحرب، ثم أرسل الله عليهم جندًا من جنده من الريح العاصفة، والملائكة المرسلين فقوضت خيامهم، ولم تدع الريح قدرًا إلا كفأتها، ولا طنبًا إلا قلعته، وكفى الله المؤمنين القتال. فله الحمد والشكر [3].
وكان بداية غيث المسلمين بالنصر هي همة نعيم بن مسعود، رضي الله عنه؛ فقد أسلم، ثم فكر وقدر، فنِعْمَ ما قدر؛ فسلام الله عليه؛ فلم يكثر الكلام، بل جعل الجوارح تتكلم وتعمل، وصح فيه قول الشاعر:
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم مَذِقُ اللسان يقول ما لا يفعلُ
وإلى هنا أتوقف عن ذكر المواقف التي تثير همم الفطناء، وتاريخ المسلمين مليء بمثل هذه المواقف الفردية العظيمة. وكأنهم جميعًا يوصون بما قاله الأول: "وكن رجلاً من أتوا بعده يقولون مَرَّ وهذا الأثر".
وللعلم فإني لم أذكر مواقف الأنبياء العظماء -عليهم الصلاة والسلام- فمواقفهم كثيرة لا تحصر، ولكن خشية إن ضربت بهم مثلاً أن يقول أحد: ومن نحن عند هؤلاء الأنبياء العظام؟! عليهم الصلاة والسلام.
لذا ضربت أقل ما نرى في هذا الوجود همة مثل النملة والهدهد، ثمَّ أحد المواقف البشرية التي قام بها أحد الصحابة -رضي الله عنه- لعلها تقدح في أنفسنا نسائم الإرادة، و ليعلم المسلم سبب وجوده في الحياة؛ فلم يُخلق عبثًا، بل خلق للعمل والعبادة والإبتلاء والتمحيص... فلا بد من استشعار المسؤولية الفردية التي كلفه الله بها؛ فقد قال -تعالى-: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92 - 93]، وقال: {وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 93] وقال -تعالى-: {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا * لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 93 - 95].
ثم إنه -تعالى- أوصانا بالعمل جميعًا، فقال: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105]؛ فالعمل لهذا الدين مسؤولية الجميع. أيا صاحِ هذا الركب قد سار مسرعًا ونحن قعود ما الذي أنت صانع؟ أترضى بأن تبقى المخلَّفَ بعدهم صريعَ الأماني والغرام ينازع فـ {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42].
وما أجمل ما خطته يد ابن الجوزي حين كتب: "أول قدم في الطريق: بذل الروح... هذه الجادة؛ فأين السالك؟!!" [4].
وهناك ثمة تساؤلات يسألها المرء نفسه: (كيف العمل، وبماذا أبدأ، وكيف أخطط؟) فأقول: انظر إلى هديه -عليه الصلاة والسلام- وسيرته في كيفية العمل لهذا الدين، وتجميع الناس تحت عقيدة الإسلام، ومحاربة المناوئين لهذه العقيدة؛ ولذا دخل الناس في هذا الدين راضين مقتنعين، وحج معه -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع أكثر من مائة وعشرين ألف صحابي -رضي الله عنهم أجمعين-وكل ذلك بعد توفيق الله من إرادة جبارة، وهمة وثابة... {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90].
لا تقل كيف ولا أين الوصول واتَّبع خير الملا ذاك الرسول. واقرأ سير المصلحين والقادة، واستفد من تجارب الباقين، واسأل الله أن ينفع بك الإسلام، وتعلق بالله ولا تتعلق بأحد سواه. ولا تلتفت هنا أو هناك ولا تتطلع لغير السماء واسأله -تعالى- أن يجعلك مباركًا حيثما كنت؛ فقد كان هذا حال عيسى -عليه الصلاة والسلام- حين قال: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ} [مريم: 31]. فكن كالغيث أينما حل نفع. وإن أول البداية هي أن تبدأ بنفسك؛ وفي المثل: "احرص على إصلاح الذات قبل إصلاح الذوات"... ومن قاد نفسه قاد العالم. وانشط لدين الله لا تكن متكاسلاً واعمل على تحريك ما هو ساكن. فإن كان في نفسك كسل أو خمول، أو بدع وضلالات وشركيات، أو معاصٍ وانحرافات، فابتعد عنها وغيِّر ما بنفسك من تلك النواقص؛ فلعل الله أن يغيِّر بك حال المسلمين، وينفع بك في مواطن كثيرة تسعد بها إذا رأيتها مكتوبة في صحائف عملك يوم القيامة و (حَرِّكْ تَرَ). لكن عليك بامتلاك الإرادة والهمة:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة *** فإن فساد الرأي أن تترددا
وأول الغيث قَطْرٌ؛ فكيف تطمح إلى العمل لهذا الدين ولم تتمكن الإرادة من سويداء قلبك، ولم تعزم على استسهال المصاعب، وتيسير العويص..... فإن كنت ذا همة فستقول قطعًا:
لأستسهلن الصعب أو أدركَ المنى فما انقادت الآمال إلا لصابرِ
وحذار من التسويف؛ فإنه رأس الأماني، وداء العمل، وقاتل الهمم، وحجة المفلسين. فلا تبق فعل الصالحات إلى غدٍ لعل غدًا يأتي وأنت فقيدُ. بل ردد بكل قوة وعزم:
أليس من الخسران أن لياليًا تمر بلا نفع وتحسب من عمري
وصح في الآفاق:
سأنفق ريعان الشبيبة دائمًا على طلب العلياء مع طلب الأجر
وبقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى، ومن يعرف المقصود يحقر ما بذل، ومن المقت إضاعة الوقت، ولكل جيل قيادته؛ فلنكن خير قادة لجيل الحاضر والمستقبل؛ وذلك كله بالتعاون والتكامل لا بالمطاحنة والتآكل، فالجاهلية المنظمة لا يقلبها إلا إسلام منظم، ولتكن وحدتنا واجتماعنا على كتاب الله وسنة رسوله، وتحت لواء أهل السنة والجماعة، فوحدة صفنا تكون معهم لا مع غيرهم من أهل البدع المنحرفين، أو الفرق الضالة.
وختامًا:
ما أجمل كلام الإمام محمد الخضر حسين في كتابه الرائع (السنة والبدعة)... حين كتب: "وإنما يتحد المسلمون تحت راية من يحترمونه لعدله واجتهاده في الحق جهادًا يطمس على أثر الباطل، وإنما يقيم أحكام الشريعة على وجهها من يكون في لسانه حجة وفي يده قوة"[5].