الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمسكينة تلك المرأة تتنازعها أهواء متباينة، وتتناوشها أفكار مختلفة، الكل يدعي العناية بها ورعاية شئونها، الكل يتزلف لها وبها. الكل يتاجر فيها ويتاجر في قضاياها.
بعضهم صادقين بلا شك حتى من الذين ضلوا الطريق السوي!
لكن ليس صدق النية وحده ولا طيبة القلب وحدها بكافيان لترشُد الأعمال، لابد من اكتمال المنهج وسلامته، وإلا فكثيرة هي أعمال البشر التي كانت نياتهم فيها حسنة؛ بينما أفضى ذلك إلى الويلات والخراب؛ لاعتمادهم العقل وحده، والنية وحدها ميزانـًا للأمور، من دون الاتكاء على منهج سوي يستقون منه ما ينفعهم، ويرشد طريقهم.
فهل من اخترع المفاعل النووي كان يخطر بباله أن يستخدم تلك الإستخدامات التي أفنت وشوَّهت؟
وهل اطلع أصحاب الأفكار الشيوعية والاشتراكية، والفلسفات الرأسمالية على الأضرار التي خلفتها أفكارهم على البشرية؟
وقديمًا قالها القرآن في الذين ادعوا الإصلاح دون منهج، بل غرتهم نياتهم الحسنة فأعرضوا عن منهج الله تعالى بدعوى أنهم على هدى؛ فلما دعاهم الله إليه وإلى ترك ما سواه، وبيَّن لهم فساد حالهم في بعدهم عن منهجه؛ قالوا: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:11]، فرد الله تعالى عليهم بقوله: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:12].
وقضية المرأة كذلك من ضمن القضايا التي للجميع فيها باع، وأحاديث وآراء، وكلام وتفاصيل، لكنها كما لغيرها لابد لها من ضوابط، ولابد لنا من معرفة الغثّ من السمين.
إن ما يهمنا هنا هو المرأة في مجتمعاتنا والحق أننا في هذه المرحلة من تاريخنا نعاني في منطقتنا العربية من عدم القدرة على الاستفادة من تجاربنا نفسها!!
لا تزال نفس شبهات التقدم ودعاوى الانفتاح، وأوهام سقوط الحواجز تجذب بعض الأغرار في سباق زادته خسة التجارب المتعلقة بالإنترنت والفضائيات، وما تقدمه من تهوين للعري، وتورية بالإباحية في الفن والفيديو كليب، بل وفي البرامج الحوارية التي صارت تناقش أمورًا مثل ممارسة الجنس قبل الزواج، وماذا عن مصارحة الطرف الآخر بذلك؟ وعن عادات محرجة، وعن المثليين، وعن غشاء البكارة... الخ.
وكأن الأمر ليس فيه حلال وحرام، وليس فيه حقوق، ولا حدود شرعية لرب العالمين، ولا كرامة لأسرة كريمة، ولا لامرأة عفيفة يريدون أن يطرحوها فريسة لشَرَك التقليد للغرب، والانبهار به.
المثير للسخرية أن يُتهم الإسلام بأنه يؤذي المرأة؛ وهو الذي أعاد لها كرامتها وحافظ عليها أمًا وزوجة وبنتـًا، وأوصى بها، وجعل الرجل مأمورًا ببرها والنفقة عليها، ومراعاة حوائجها، وأبعدها عن الفتن والأذى الذي وقعوا فيه، بينما الغرب نفسه يعاني أسريًا ومجتمعيًا من ذلك الإنحراف الذي يبشر به بعض بني جلدتنا.
فكم من الجرائم هناك المادية والمعنوية التي تـُؤذَى فيها المرأة؛ بينما أهلنا هنا غافلون؟!
كم تـُهمل النساء العجائز؟ وكم تـُهان الدميمات؟ وكم تستخدم الجميلات كسلعة للترويج للبضائع؟!
ثم بعد ذلك يتبجحون وبكل وقاحة ليزعموا أنهم من المدافعين عن المرأة وحقوقها، بل ويجعلون همهم الأكبر عند احتلال الشعوب هو إفساد المرأة ودعوتها إلى الإباحية والعري! وأيضًا تحت دعوى إصلاح شأنها! وكأنها تعيش بين وحوش!
وهم واهمون كمن ذكرناهم سابقـًا يحسبون أنهم مهتدون؛ قال تعالى: {وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [لأعراف:30]، وقال تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:37].
وتحت شعارات مضللة ومزيفة عن حرية المرأة والحفاظ على حقوقها تعقد "الأمم المتحدة" مؤتمراتها الدولية منذ عام 1975م وحتى اليوم؛ لتؤكد هذه المعاني الفاسدة الكفيلة بالقضاء على الأسرة في وثائقها، ورغم أن الشعوب المسلمة والعديد من الحكومات في العالم الإسلامي والكثير من المنظمات الغربية، وحتى الفاتيكان قد أعلنوا رفضهم لما جاء في هذه الوثائق، وأكدوا خطورتها على المجتمعات الإنسانية ومازالوا يؤكدون ذلك؛ إلا أن تلك المنظمات الشيطانية التي تمتطي الأمم المتحدة لتحقيق مشروعها؛ لتدمير الفرد، والأسرة، والمجتمع لا تكف عن مواصلة مساعيها لذلك، ولم تتوقف عن عقد تلك المؤتمرات الدولية المشبوهة التي صارت أشبه بتقليد سنوي تفرضه الأمم المتحدة على العالم؛ لتشغله بما يسمى زورًا وبهتانـًا بـ"حقوق المرأة".
والغريب أن الأمم المتحدة تهمل معظم قضايا المرأة، والطفل التي تهدد حياتهما ومستقبلهما وأوضاعهما المأساوية في عالم الحروب، والكوارث والنكبات، والشتات، وتجاهل محن أكثر من 100 مليون سيدة وفتاة يفترسهن الحرمان من الرعاية الغذائية، وأكثر من مليون فتاة تتم المتاجرة بهن في الدعارة.
ولننظر في شهادة شاهد من أهلها في تقرير صادر عن القنصلية الأمريكية العامة في القدس ومنشور على موقعها على الإنترنت، يتحدث التقرير "22/2/2005" عن بعض أوضاع حقوق الإنسان عند اليهود وسنجتزئ منه ما يتعلق بحقوق المرأة، وكيف أنهم أهانوها وما رسوا العنف ضدها، والتي منها:
"واستمر وجود التمييز ضد المرأة والعنف الذي تتعرض له من المجتمع، مع أن الحكومة استمرت في معالجة هذه المشاكل، ومشاكل المتاجرة بالمرأة والعمال الأجانب، وإساءة معاملتهم لا تزال قائمة، واستمر التمييز ضد المعوقين...". اهـ.
وما يحدث في أوروبا وأمريكا ليس ببعيد عن هذا؟!
كما تكرس الأمم المتحدة جلّ اهتمامها عبر ما يقرب من ثلاثين عامًا لتقنين حرية المرأة الإباحية، وحريتها في الخروج على الأسرة، وتدمير المجتمعات تحت مزاعم وشعارات كاذبة، الأمر الذي يفضح رسالة تلك المؤتمرات، ويؤكد أن منظمات الهوس الفكري، والشذوذ الجنسي الغربية قد فرضت سطوتها على المنظمة الدولية.
وللأسف الشديد فإن تلك الدعاوى التي تروج لها تلك المؤتمرات تجد لها صدى في عدد من البلاد الإسلامية عبر المنظمات المعنية بشئون المرأة؛ خداعًا للجماهير، ومحاولة لتضليل البسطاء، وبين الحين والآخر تخرج علينا مجموعات ما تسمى بحقوق المرأة وحريتها بآراء وكتابات وتصريحات تصب في مجملها وفحواها في التخديم على ما تروج له مؤتمرات الأمم المتحدة عن المرأة، والتي هي محل رفض من الشعوب المسلمة، وتتترس هذه المجموعات خلف المنظمة الدولية؛ فالأمر ليس جنة، بل نار، وعار، وضياع، وشنار.
لقد أصبح من ضغط الواقع على الأمة أن يتم إقحام موضوع المرأة في جميع الأمور، وكأننا ندفع تهمة عن أنفسنا بأن المرأة عندنا مظلومة مضطهدة؛ ومن ثمَّ نحرص في كل الأحوال على التأكيد على عدم اضطهادها، وأنها تأخذ حقها كاملاً، إلى غير ذلك.
ومن ثمَّ تجد تصرفات ساذجة في التعامل مع الموضوع، مثل: إقحام المرأة فيما قد لا تكون أهلاً له من الوزارات والمسئوليات؛ وفقـًا للتدرج الوظيفي والعلمي! فقد تـُسند مهمة ما أو منصب لامرأة ما في الوقت الذي لو رشح رجل لنفس المنصب لما تم اختياره له أبدًا؛ لأنه ليس له أهل!
فالأمر ليس استجابة لواقع المجتمع، وليس منحًا للمرأة فرصة تتناسب مع مؤهلاتها، وليس درءًا لاضطهاد وقع على المرأة، بل هو رضوخ لشبهات الأعداء، ودفاع عن تهمة لا تعشش إلا في أذهان قائليها؛ وإلا فأي جديد في الأمر من ناحية العدل أن يتم فرض بعض النساء بدون مواهب على بعض الأماكن دون استحقاقهن لذلك؟!
لابد من أن نتعامل مع الموضوع بموضوعية وثقة فإن وجُد مكان يصلح للمرأة وتصلح له فما المانع من توليتها إياه؟! أما أن تكون لا تصلح له فمن الظلم للمجتمع ولها أيضًا أن يسند لها.
فمحاولة اتخاذ موضوع المرأة وادعاء إنصافها تكأة لقلب الأمور، وإشاعة الفوضى في المجتمعات؛ استجابة لضغوط الواقع أو مجاملة للغرب هو نو ع من المتاجرة بالمرأة، وهو من صور الفساد الذي تسعى الدول إلى التخلص منه ومن آثاره.
ولأننا ننسى فإن موضوع المرأة واضطهادها هو دومًا أحد التهم الجاهزة ضدنا لدى الغرب بكافة أطيافه الفكرية، والسياسية، والاجتماعية، كأنهم يزعجهم شرف المرأة لدينا، والتزامها بقيم الإسلام، وارتدائها لحجابها، واعتزازها بأسرتها.
في الوقت الذي تدعو قلة من عقلائهم إلى العودة إلى قيم الشرف والطهر، والترفع عن مستنقعات الفحش، والهوى، والرذائل الذي وقعوا فيه.
الغريب أنهم في الوقت الذي يزعجهم وضعية المرأة في بلادنا وحجابها على رأسها؛ فإنهم لا يعبئون بكون المرأة إن أرادت التدين والتفرغ للكنيسة عندهم ترتدي ملابس هي شبيهة إلى حد كبير بالحجاب!
حتى إنني رأيتُ بعضهن من ظهورهن في إسبانيا فظننتهن خليجيات؛ بسبب أنهن يرتدين عباءات رأس تغطي المرأة من أعلاها لأسفلها فلا تشك أنهن مسلمات لولا أنهن يرتدين الصليب!
يقول الدكتور محمد بن سعد الشويعر:
"في عام 1985م انبرت صحفية أمريكية لمهاجمة التوراة والإنجيل ورجال الدين عندهم، واتهمت الجميع بنكران حق المرأة، حيث لم يأتِ لها ذكر في الأناجيل، ولا العهد القديم بينما الإسلام أعطاها مكانة رفيعة، فخاطبها إلى جانب الرجل، وجعلها جوهرة مصونة وبين لها حقوقـًا انفردت بها بالخصوصية، ومع الرجل فيما يشتركان فيه، واستدلت ببعض الآيات مثل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35]".
ويحكي الدكتور الشويعر عن طبيب درس في مدينة "كُلُنْ" بألمانيا منذ سنوات، وتزوج زميلته في الجامعة، ثم عزم على السفر إلى بلاده؛ لأن أمه مريضة، فأصرت زوجته على مرافقته، وذهلت الزوجة من هذا الاهتمام الذي أبداه أبناء الأسرة بأمهم، وبالعناية الشديدة التي عوملت بها العجوز المريضة، وفي طائرة العودة لم تستطع كتمان شعورها، فقالت لزوجها: "لماذا لم تخبرني عن مكانتكَ الاجتماعية، فهل أمك من الأسرة المالكة؟!
فقال: لا. وما الذي دعاكِ إلى هذا الحكم؟
قالت: المكانة الكبيرة التي تحتلها أمك بين الناس تقديرًا وإكرامًا وحفاوة.
فقال: أنا وأمي وأسرتنا من وسط المجتمع، ولكن هذه تعاليم الإسلام الذي هو ديننا، بل إن حقها الذي يحث عليه ديننا أكبر من ذلك.
وبدأ يشرح ويترجم لها فأسلمت، وصارت في المناسبات تردد: الأم في مجتمع المسلمين ملكة غير متوجة، بل أسعد من ملكات الغرب".
منقول عن موقع طريق السلف
فمسكينة تلك المرأة تتنازعها أهواء متباينة، وتتناوشها أفكار مختلفة، الكل يدعي العناية بها ورعاية شئونها، الكل يتزلف لها وبها. الكل يتاجر فيها ويتاجر في قضاياها.
بعضهم صادقين بلا شك حتى من الذين ضلوا الطريق السوي!
لكن ليس صدق النية وحده ولا طيبة القلب وحدها بكافيان لترشُد الأعمال، لابد من اكتمال المنهج وسلامته، وإلا فكثيرة هي أعمال البشر التي كانت نياتهم فيها حسنة؛ بينما أفضى ذلك إلى الويلات والخراب؛ لاعتمادهم العقل وحده، والنية وحدها ميزانـًا للأمور، من دون الاتكاء على منهج سوي يستقون منه ما ينفعهم، ويرشد طريقهم.
فهل من اخترع المفاعل النووي كان يخطر بباله أن يستخدم تلك الإستخدامات التي أفنت وشوَّهت؟
وهل اطلع أصحاب الأفكار الشيوعية والاشتراكية، والفلسفات الرأسمالية على الأضرار التي خلفتها أفكارهم على البشرية؟
وقديمًا قالها القرآن في الذين ادعوا الإصلاح دون منهج، بل غرتهم نياتهم الحسنة فأعرضوا عن منهج الله تعالى بدعوى أنهم على هدى؛ فلما دعاهم الله إليه وإلى ترك ما سواه، وبيَّن لهم فساد حالهم في بعدهم عن منهجه؛ قالوا: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:11]، فرد الله تعالى عليهم بقوله: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:12].
وقضية المرأة كذلك من ضمن القضايا التي للجميع فيها باع، وأحاديث وآراء، وكلام وتفاصيل، لكنها كما لغيرها لابد لها من ضوابط، ولابد لنا من معرفة الغثّ من السمين.
إن ما يهمنا هنا هو المرأة في مجتمعاتنا والحق أننا في هذه المرحلة من تاريخنا نعاني في منطقتنا العربية من عدم القدرة على الاستفادة من تجاربنا نفسها!!
لا تزال نفس شبهات التقدم ودعاوى الانفتاح، وأوهام سقوط الحواجز تجذب بعض الأغرار في سباق زادته خسة التجارب المتعلقة بالإنترنت والفضائيات، وما تقدمه من تهوين للعري، وتورية بالإباحية في الفن والفيديو كليب، بل وفي البرامج الحوارية التي صارت تناقش أمورًا مثل ممارسة الجنس قبل الزواج، وماذا عن مصارحة الطرف الآخر بذلك؟ وعن عادات محرجة، وعن المثليين، وعن غشاء البكارة... الخ.
وكأن الأمر ليس فيه حلال وحرام، وليس فيه حقوق، ولا حدود شرعية لرب العالمين، ولا كرامة لأسرة كريمة، ولا لامرأة عفيفة يريدون أن يطرحوها فريسة لشَرَك التقليد للغرب، والانبهار به.
المثير للسخرية أن يُتهم الإسلام بأنه يؤذي المرأة؛ وهو الذي أعاد لها كرامتها وحافظ عليها أمًا وزوجة وبنتـًا، وأوصى بها، وجعل الرجل مأمورًا ببرها والنفقة عليها، ومراعاة حوائجها، وأبعدها عن الفتن والأذى الذي وقعوا فيه، بينما الغرب نفسه يعاني أسريًا ومجتمعيًا من ذلك الإنحراف الذي يبشر به بعض بني جلدتنا.
فكم من الجرائم هناك المادية والمعنوية التي تـُؤذَى فيها المرأة؛ بينما أهلنا هنا غافلون؟!
كم تـُهمل النساء العجائز؟ وكم تـُهان الدميمات؟ وكم تستخدم الجميلات كسلعة للترويج للبضائع؟!
ثم بعد ذلك يتبجحون وبكل وقاحة ليزعموا أنهم من المدافعين عن المرأة وحقوقها، بل ويجعلون همهم الأكبر عند احتلال الشعوب هو إفساد المرأة ودعوتها إلى الإباحية والعري! وأيضًا تحت دعوى إصلاح شأنها! وكأنها تعيش بين وحوش!
وهم واهمون كمن ذكرناهم سابقـًا يحسبون أنهم مهتدون؛ قال تعالى: {وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [لأعراف:30]، وقال تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:37].
وتحت شعارات مضللة ومزيفة عن حرية المرأة والحفاظ على حقوقها تعقد "الأمم المتحدة" مؤتمراتها الدولية منذ عام 1975م وحتى اليوم؛ لتؤكد هذه المعاني الفاسدة الكفيلة بالقضاء على الأسرة في وثائقها، ورغم أن الشعوب المسلمة والعديد من الحكومات في العالم الإسلامي والكثير من المنظمات الغربية، وحتى الفاتيكان قد أعلنوا رفضهم لما جاء في هذه الوثائق، وأكدوا خطورتها على المجتمعات الإنسانية ومازالوا يؤكدون ذلك؛ إلا أن تلك المنظمات الشيطانية التي تمتطي الأمم المتحدة لتحقيق مشروعها؛ لتدمير الفرد، والأسرة، والمجتمع لا تكف عن مواصلة مساعيها لذلك، ولم تتوقف عن عقد تلك المؤتمرات الدولية المشبوهة التي صارت أشبه بتقليد سنوي تفرضه الأمم المتحدة على العالم؛ لتشغله بما يسمى زورًا وبهتانـًا بـ"حقوق المرأة".
والغريب أن الأمم المتحدة تهمل معظم قضايا المرأة، والطفل التي تهدد حياتهما ومستقبلهما وأوضاعهما المأساوية في عالم الحروب، والكوارث والنكبات، والشتات، وتجاهل محن أكثر من 100 مليون سيدة وفتاة يفترسهن الحرمان من الرعاية الغذائية، وأكثر من مليون فتاة تتم المتاجرة بهن في الدعارة.
ولننظر في شهادة شاهد من أهلها في تقرير صادر عن القنصلية الأمريكية العامة في القدس ومنشور على موقعها على الإنترنت، يتحدث التقرير "22/2/2005" عن بعض أوضاع حقوق الإنسان عند اليهود وسنجتزئ منه ما يتعلق بحقوق المرأة، وكيف أنهم أهانوها وما رسوا العنف ضدها، والتي منها:
"واستمر وجود التمييز ضد المرأة والعنف الذي تتعرض له من المجتمع، مع أن الحكومة استمرت في معالجة هذه المشاكل، ومشاكل المتاجرة بالمرأة والعمال الأجانب، وإساءة معاملتهم لا تزال قائمة، واستمر التمييز ضد المعوقين...". اهـ.
وما يحدث في أوروبا وأمريكا ليس ببعيد عن هذا؟!
كما تكرس الأمم المتحدة جلّ اهتمامها عبر ما يقرب من ثلاثين عامًا لتقنين حرية المرأة الإباحية، وحريتها في الخروج على الأسرة، وتدمير المجتمعات تحت مزاعم وشعارات كاذبة، الأمر الذي يفضح رسالة تلك المؤتمرات، ويؤكد أن منظمات الهوس الفكري، والشذوذ الجنسي الغربية قد فرضت سطوتها على المنظمة الدولية.
وللأسف الشديد فإن تلك الدعاوى التي تروج لها تلك المؤتمرات تجد لها صدى في عدد من البلاد الإسلامية عبر المنظمات المعنية بشئون المرأة؛ خداعًا للجماهير، ومحاولة لتضليل البسطاء، وبين الحين والآخر تخرج علينا مجموعات ما تسمى بحقوق المرأة وحريتها بآراء وكتابات وتصريحات تصب في مجملها وفحواها في التخديم على ما تروج له مؤتمرات الأمم المتحدة عن المرأة، والتي هي محل رفض من الشعوب المسلمة، وتتترس هذه المجموعات خلف المنظمة الدولية؛ فالأمر ليس جنة، بل نار، وعار، وضياع، وشنار.
لقد أصبح من ضغط الواقع على الأمة أن يتم إقحام موضوع المرأة في جميع الأمور، وكأننا ندفع تهمة عن أنفسنا بأن المرأة عندنا مظلومة مضطهدة؛ ومن ثمَّ نحرص في كل الأحوال على التأكيد على عدم اضطهادها، وأنها تأخذ حقها كاملاً، إلى غير ذلك.
ومن ثمَّ تجد تصرفات ساذجة في التعامل مع الموضوع، مثل: إقحام المرأة فيما قد لا تكون أهلاً له من الوزارات والمسئوليات؛ وفقـًا للتدرج الوظيفي والعلمي! فقد تـُسند مهمة ما أو منصب لامرأة ما في الوقت الذي لو رشح رجل لنفس المنصب لما تم اختياره له أبدًا؛ لأنه ليس له أهل!
فالأمر ليس استجابة لواقع المجتمع، وليس منحًا للمرأة فرصة تتناسب مع مؤهلاتها، وليس درءًا لاضطهاد وقع على المرأة، بل هو رضوخ لشبهات الأعداء، ودفاع عن تهمة لا تعشش إلا في أذهان قائليها؛ وإلا فأي جديد في الأمر من ناحية العدل أن يتم فرض بعض النساء بدون مواهب على بعض الأماكن دون استحقاقهن لذلك؟!
لابد من أن نتعامل مع الموضوع بموضوعية وثقة فإن وجُد مكان يصلح للمرأة وتصلح له فما المانع من توليتها إياه؟! أما أن تكون لا تصلح له فمن الظلم للمجتمع ولها أيضًا أن يسند لها.
فمحاولة اتخاذ موضوع المرأة وادعاء إنصافها تكأة لقلب الأمور، وإشاعة الفوضى في المجتمعات؛ استجابة لضغوط الواقع أو مجاملة للغرب هو نو ع من المتاجرة بالمرأة، وهو من صور الفساد الذي تسعى الدول إلى التخلص منه ومن آثاره.
ولأننا ننسى فإن موضوع المرأة واضطهادها هو دومًا أحد التهم الجاهزة ضدنا لدى الغرب بكافة أطيافه الفكرية، والسياسية، والاجتماعية، كأنهم يزعجهم شرف المرأة لدينا، والتزامها بقيم الإسلام، وارتدائها لحجابها، واعتزازها بأسرتها.
في الوقت الذي تدعو قلة من عقلائهم إلى العودة إلى قيم الشرف والطهر، والترفع عن مستنقعات الفحش، والهوى، والرذائل الذي وقعوا فيه.
الغريب أنهم في الوقت الذي يزعجهم وضعية المرأة في بلادنا وحجابها على رأسها؛ فإنهم لا يعبئون بكون المرأة إن أرادت التدين والتفرغ للكنيسة عندهم ترتدي ملابس هي شبيهة إلى حد كبير بالحجاب!
حتى إنني رأيتُ بعضهن من ظهورهن في إسبانيا فظننتهن خليجيات؛ بسبب أنهن يرتدين عباءات رأس تغطي المرأة من أعلاها لأسفلها فلا تشك أنهن مسلمات لولا أنهن يرتدين الصليب!
يقول الدكتور محمد بن سعد الشويعر:
"في عام 1985م انبرت صحفية أمريكية لمهاجمة التوراة والإنجيل ورجال الدين عندهم، واتهمت الجميع بنكران حق المرأة، حيث لم يأتِ لها ذكر في الأناجيل، ولا العهد القديم بينما الإسلام أعطاها مكانة رفيعة، فخاطبها إلى جانب الرجل، وجعلها جوهرة مصونة وبين لها حقوقـًا انفردت بها بالخصوصية، ومع الرجل فيما يشتركان فيه، واستدلت ببعض الآيات مثل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35]".
ويحكي الدكتور الشويعر عن طبيب درس في مدينة "كُلُنْ" بألمانيا منذ سنوات، وتزوج زميلته في الجامعة، ثم عزم على السفر إلى بلاده؛ لأن أمه مريضة، فأصرت زوجته على مرافقته، وذهلت الزوجة من هذا الاهتمام الذي أبداه أبناء الأسرة بأمهم، وبالعناية الشديدة التي عوملت بها العجوز المريضة، وفي طائرة العودة لم تستطع كتمان شعورها، فقالت لزوجها: "لماذا لم تخبرني عن مكانتكَ الاجتماعية، فهل أمك من الأسرة المالكة؟!
فقال: لا. وما الذي دعاكِ إلى هذا الحكم؟
قالت: المكانة الكبيرة التي تحتلها أمك بين الناس تقديرًا وإكرامًا وحفاوة.
فقال: أنا وأمي وأسرتنا من وسط المجتمع، ولكن هذه تعاليم الإسلام الذي هو ديننا، بل إن حقها الذي يحث عليه ديننا أكبر من ذلك.
وبدأ يشرح ويترجم لها فأسلمت، وصارت في المناسبات تردد: الأم في مجتمع المسلمين ملكة غير متوجة، بل أسعد من ملكات الغرب".
منقول عن موقع طريق السلف