الجمل ذهب بما حمل منقول عن الاهرام
غيير الوزير ومحاولة إنقاذ التعليـم من الغــرق!
بقلم : لبــيــب الســـبـاعي
علي طريقة الأبراج الصينية يمكن إعتبار عام2009 هو عام الجمل, وزير التربية والتعليم السابق الذي صدر قرار جمهوري بالأمس بتعيين الدكتور أحمد زكي بدر وزيرا للتربية والتعليم بدلا منه ليرث الدكتور بدر تركة من إنجازات الوزير الجمل ـ لا تحسدوه عليها ـ قبل أن نستعرض هذه الانجازات..
في مقدمة هذه الإنجازات نجاحه في تمرير النظام الجديد للثانوية العامة التي مازال الناس لا يعرفون أين أولها؟ وأين أخرها!! ونجح الوزير الجمل في إخضاع المعلمين للامتحانات تحت مسمي كادر المعلمين وأصبح المعلم في حالة أسوا في حالة التلميذ الفاشل الذي ينتظر الملحق لإنقاذ نفسه وأصبح المعلم مادة ثرية للسخرية من الجميع بدءا من رسامي الكاريكاتير وحتي التلاميذ أنفسهم.. ونجح الوزير الجمل في2009 في إرغام الجميع علي الاستسلام لفيضان من سيادته لا مبرر معلن له يقضي بمناقصة عالمية التأليف وطباعة وتوريد الكتب المدرسية في صفقة واحدة دون أن يوضح سبب الربط بين التأليف والطباعة في صفقة واحدة.. ثم نجح الوزير الجمل في أن تستمر المدارس مفتوحة رغم إنفلونزا الخنازير ورغم غياب التلاميذ تحت شعار أن حنفيات المدارس يتدفق منها الماء وقد اطمأن عليها الوزير الجمل بنفسه.
في حصـاد2009 نستعرض بإيجاز بعض ما تناولناه علي مدي العام والذي ـ بدون دهشة ـ مازال معبرا عن الواقع العجيب للتعليم المصري في عهد الوزير الجمل.. وقد نشرناه علي مدي عام2009 وكان الجمل متربعا علي كرسي الوزارة, وقد استهل الوزير الجمل إنجازات عام2009 بما لم يسبق إليه أي وزير آخر جلس علي مقعد وزير التعليم حيث كان الوزير الجمل هو أول وزير تعليم يجري حوارا صحفيا علي امتداد صفحة كاملة بإعلان مدفوع القيمة من دم الوزارة.. ومن شهر مارس أشرنا إلي ذلك باستغاثة تقول مش ممكن استمرار هذا الطوفان الذي يغمر ويغرق وسائل الإعلام بكافة أشكالها من تصريحات الدكتور الوزير يسري الجمل وزير التربية والتعليم والتي لا تضيف جديدا ولا تصلح خللا واحدا في التعليم المصري الذي يشهد تراجعا مؤسفا في السنوات الأخيرة وكل ما يشغل الوزير الجمل هو استمرار تدفق تصريحاته وصوره الباسمة السعيدة بلا مبرر واحد محققا إنجازا لم يتمكن طابور وزراء التعليم في مصر ـ منذ نشأة وزارة المعارف العمومية ـ في أن يحققه.. فالوزير الجمل هو أول وزير تعليم في مصر يلجأ إلي الإعلان عن نفسه وعن إنجازاته في وسائل الإعلام بإعلانات تجارية مدفوعة الثمن وكأنه سلعة غذائية أو منتجع سكني يبحث عن زبائن في أول حوار إعلاني مدفوع لوزير التعليم.. ومن أجل سواد عيون الوزير الجمل تحملت الوزارة سداد عشرات الآلاف من الجنيهات ـ يعلم الله تحت أي بند مالي- وذلك في الوقت الذي تحتاج فيه الآلاف من مدارس مصر لعشرات الجنيهات من أجل توفير سبورة أو مقعد يجلس عليه تلميذ.. وهناك مئات المدارس بلا أسوار ولا نوافذ ولا دورات مياه..
الدكتور الوزير الجمل لم يشغله كل ذلك لأن كل ما يشغله هو أن يظل موجودا وبقوة وكثافة عبر كل وسائل الإعلام متدفقا بتصريحات من نوعية تشرق الشمس من الشرق وهي تصريحات لا تصلح حالا ولا تضيف جديدا.. المهم أن تتواصل تصريحات الوزير إعلاميا أو إعلانيا تزينها صورته مبتسما سعيدا راضيا شاكرا نعمة الله ليس علي أحوال مدارسنا ولكن علي استمراره قاعدا مستقرا علي كرسي الوزارة وكلما انتشرت شائعة عن تغيير وزاري محتمل بادر الوزير الجمل إلي شن غارة إعلامية جديدة مجانية أو إعلانية بنفس طريقة مصانع الزيوت النباتية والمنتجعات السكنية والقري السياحية وهو مايفسر ماسورة الحوارات الصحفية والتليفزيونية التي انفجرت للوزير الجمل خلال الأسبوع الماضي وحتي أمس فقط.
الدكتور الوزير الجمل شغل مصر واشتغلها كلها بحكاية النظام الجديد للثانوية العامة وهل تكون هذه الثانوية المنكوبة سنة واحدة أم سنتين؟ وهل تتضمن موادا اختيارية وأخري إجبارية أم العكس؟ مقدما اختراعات لفظية مدهشة من نوعية الجذع المشترك والتقويم الشامل والامتحانات النوعية متجاهلا أن الأساس غائب وأنه لا يوجد أصلا تعليم يستحق كل هذه الضجة.
الدكتور الوزير الجمل لم يشغل نفسه بتوفير العناصر الأساسية لتقديم تعليم حقيقي في المدرسة!! وهي بدون فلسفة ولا جذع مشترك تتكون من مدرسة وفصول ومدرس وكتاب ومحتوي علمي لهذا الكتاب!! وفي غياب كل ذلك لا يوجد تعليم أساسا يستحق أن نشغل الناس والدولة في نظام جديد لامتحاناته سواء الثانوية العامة أو غيرها!!
المدهش أنه في ظل غياب كل هذه العناصر الأساسية للتعليم كان منطقيا بل وبديهيا أن ينتقل التعليم إلي البيوت معتمدا علي الدروس الخصوصية ولكن الأكثر إثارة للدهشة هو أن الدكتور الوزير الجمل لا يجد تفسيرا لغياب التلاميذ والمدرسين واختفاء دور المدرسة من علي خريطة التعليم في مصر؟!
الدكتور الوزير الجمل في زيارة لمدرسة السيدة خديجة الثانوية بنات ـ حسب ما نشرته الصحف وكان ذلك في مارس2009 أي قبل إنفلونزا الخنازير ـ وجد أن نسبة الحضور5%.. كمان مرة نقول نسبة الحضور خمسة في المائة!! يعني نسبة الغياب وصلت لخمسة وتسعين بالمائة.. فما كان من الدكتور الوزير الجمل إلا أن وجدها فرصة لإطلاق تصريحات لوذعية من نوعية ضرورة تطبيق لائحة غياب الطلاب وإخطار أولياء الأمور في حالة تكرار الغياب واتخاذ إجراءات صارمة ضد غياب الطلاب تتمثل في حرمانهم من دخول الامتحان كطلاب نظاميين وتحويلهم إلي طلاب منازل!! أما المدرسون فإذا ثبت تغيبهم دون سبب واقعي يتم تحويلهم إلي الشئون القانونية ـ ده الوزير الجمـل اللي بيقول ـ!!
ولم يحاول الوزير الجمل أن يسأل ـ ولو من باب العلم بالشيء أو الفضول ـ أين ذهب التلاميذ ومعهم المدرسون؟! ولماذا تغيبوا جميعا؟! ولماذا لم تعد المدرسة موجودة علي خريطة التعليم في مصر؟
والإجابة ـ إذا كان الوزير الجمل يريد أن يعرف ـ هي أن التلاميذ والمدرسين في البيوت حيث العملية التعليمية.. والمضحك أن الوزير الجمل في زيارته لنفس المدرسة أطلق تصريحا مذهلا لا يصدر عن مسئول مطلقا حيث قال سيادته: إن امتحانات الثانوية العامة للشعبة العلمية هذا العام ستكون سهلة وفي مستوي الطالب المتوسط بهدف تشجيع الطلاب علي دخول الشعبة العلمية!!
خلاص انتهت تصريحات الوزير الجمل بعد أن انفقعت معها مراراتنا ومرارة كل المهمومين بمستقبل التعليم في بلدنا!!
الوزيــر دائما علي حق!
ويبدو والله أعلم أن الوزير في مصر ـ أو بعضهم علي الأقل ـ ما أن ينعم الله عليه بكرسي الوزارة حتي يعتقد ـ وهو علي يقين ـ من أن مجرد الجلوس علي كرسي الوزارة يهبه مفاتيح العلم والحكمة والمعرفة ولولا معرفتنا أن سيـدنا محمـد ـ صلي الله عليه وسلم ـ هو آخر الرسل وخاتم الأنبياء لكان الوزير علي يقين من أنه قد أوتي الحكمة والنبوة يوم أن أدي اليمين الدستورية.
الوزير المصري من عهد رمسيس الأول وهو علي يقين بأن ما يراه هو الحق المطلق وأن ما يفعله هو الصواب الذي لا يحتمل الخطأ لأن الوزير ـ لا سمح الله- لا يخطئ.. فكل أفكاره وتخيلاته يراها هو ومن هم حوله ـ مع كل التواضع- خطط واستراتيجيات المستقبل المشرق علي يديه لتحقق أهدافا سامية حتي لو عجز المواطن عن إدراكها أو ادعي المواطن أنه لم يلمس أي نتائج إيجابية لهذه الخطط والاستراتيجيات الوزارية فالمواطن بسذاجته لا يعرف مصلحته أكثر مما يعرفها الوزير.. لأن المواطن ـ في رأي الوزير ـ يعجز عن إدراك ما يدركه الوزير وما يتفتق عن ذهنه من قرارات لولا انقطاع وحي السماء لكانت وحيا وإلهاما. طيب بذمتك ـ وأنا أرتضي ذمتك ـ عمرك سمعت أو قرأت أو شاهدت علي شاشة التليفزيون وزيرا يقول إنه أخطأ في قرار ما.
يقينا لم يحدث ولو مرة واحدة.. فالوزير دائما علي صواب ودائما يقف الحق بجانبه.. وهناك من يجد أو يخترع مبررا لكل أزمة تحدث بسبب فكرة وزارية.. والمبررات كثيرة أولها أن الناس لم تفهم أو أساءت تفسير فكر سيادة الوزير أو أن المواطن كما قلنا لا يعرف مصلحته أو أن من ينتقد الوزير مغرض وحاسد للوزير علي نعمة الوزارة!!
وربما يكون قطاع التعليم هو أحد القطاعات المهمة التي يتجسد فيها سلطان الوزير وسلطاته المطلقة والتي يغطيها ويسترها من خلال لجان توافق علي كل ما يراه الوزير!!
ويبدو ذلك واضحا من خلال موضوع المناقصة التي أعلنتها وزارة التربية والتعليم والتي تدعو فيها جميع دور النشر المحلية والعالمية لتوريد الكتاب المدرسي لمواد العلوم والرياضيات واللغة الإنجليزية للمرحلة الابتدائية وهذا الكتاب يتضمن التأليف والطبع والتوريد وما يعنيه ذلك من تهديد لصناعة الطباعة في مصر وما يثيره من علامات استفهام حول ربط الطبع والتوريد بالتأليف!
واستغاثت المطابع المصرية ـ ومنها مطابع المؤسسات الصحفية ـ من قرار أو انتقام الوزير فما كان من سيادته ـ الذي كمعظم الوزراء لا يخطئ ـ سوي أنه أكد أن المناقصة سوف تتم لأنها وردت بالخطة الاستراتيجية لسيادته وهي الخطة التي تحظي بتأييد محلي وعالمي ـ هكذا يري الوزير. ويستطرد الوزير ومستشاروه ومعاونوه في توضيح أن القرار سليم مليون في المائة وليس له أي تأثير ضار علي الاقتصاد سوف يؤدي إلي تخلص الأسر المصرية من سلبيات ظاهرة الكتب الخارجية وكذلك الدروس الخصوصية مما يؤدي إلي تخفيف العبء الاقتصادي الواقع عليها!!
خلاص تاهت ولقيناها.. وعلي رأي الفنان سعيد صالح في مسرحية مدرسة المشاغبينوهو ينصح المدرس كل ما تتزنق اقلع ولذلك فكل ما نتزنق نرفع شعـار القضاء علي الدروس الخصوصية والكتب الخارجية. وهي وصفة سبقت تجربتها في إلغاء السنة السادسة وعودتها وفي الثانوية العامة سنة واحدة وسنتان وفي تطبيق التحسين وإلغاء التحسين وفي الثانوية العامة السابقة والحالية والقادمة وفي امتحانات كادر المعلمين.
باختصار: الحقيقة هي ما يراها الوزير وحتي لو رأي عكسها بعد قليل فهي أيضا الحقيقة وهي في النهاية ما سوف يطبق ولن نملك له تبديلا أو مراجعة.. فما بالك بمن يزعم أن الوزير قد أخطأ؟!
حنفية الوزير!
وعلي إمتداد2009 زهقنا من الكلام الذي لا يسمعه أحد.. نقول أحوال المدارس مهببة فيخرج الوزير الجمل مبتسما مؤكدا أنها زي الفل.. نتكلم عن الكثافة فينفي تماما وجود كثافة في الفصول.. نحذر من انتشار إنفلونزا الخنازير فيقول بكل جرأة إننا بفضل جهود سيادته من أفضل4 دول في العالم في التعامل مع الإنفلونزا.. باختصار مفيش فايدة.. زهقنا من مسئولين في حالة إرسال مستمر للتصريحات غير المعقولة والتي تذكرنا بالمثل الذي يقول: إنه إذا كان المتكلم مجنونا فعلي المستمع أن يكون عاقلا!! كما نتوهم أن المسئول المصري ـ زي كل الدنيا ـ يرسل ويستقبل.. يعني يتكلم ويسمع ولكن للأسف يبدو أن المسئول ـ تقفيل مصر ـ يتكلم ويقرر ويصرح ويوجه ويفتي فقط.. يعني في حالة إرسال متواصل ولا يستقبل وعلي كل من حوله أن يستقبل إرسال المسئول من قرارات وتوجهات وفتاوي بكل الإعجاب والدهشة.. وأن يدرك أن أي مجهود لمناقشة الباشا المسئول أو طرح رأي يخالف فكر سيادته هو مجهود ضائع لأن المسئول المصري ـ يا محترم ـ كما قلنا يرسل فقط ولا يستقبل.
ورغم أن إغلاق فصول دراسية ومدارس من أبوابها علي امتداد محافظات مصر أصبح أحد الأخبار اليومية لوسائل الإعلام وبالتالي فقد أهميته بالتدريج وانتقل من الصفحات الأولي إلي الصفحات الداخلية فما زال الوزير الجمل مستمسكا بأن الأحوال عال العال وكل شيء علي ما يرام محاولا إقناع الرأي العام بأن زيارته لدورات المياه في المدارس تكفي لكي يطمئن أولياء الأمور علي أطفالهم وهو يقولها حرفيا في تصريحاته التي لا تتوقف إطمئنوا.. مدارسنا مستعدة لانتشار العدوي ومصر من أفضل4 دول في العالم في التعامل مع المرض!! انتهي إرسال الوزير بدون فواصل إعلانية. وعلي الرغم من سرعة انتشار العدوي في المدارس وانتقالها من محافظة إلي أخري ـ وهو ما يترتب عليه تعطيل الدراسة في عدد من الفصول الدراسية وبدء إغلاق مدارس من أبوابهاـ ومع ذلك استمرار الوزير الجمل يؤكد تطبيق نظامه المستورد تحت اسم التقويم الشامل الذي يعتمد علي حضور الطالب للمدرسة وممارسته لجميع الأنشطة المدرسية ـ التي هي غير موجودة أصلا حتي بدون الغياب بسبب إنفلونزا الخنازير ـ وهو ما يؤكد أننا جميعا في دنيا والوزير الجمل في دنيا أخري تماما.. فالناس جميعا تشعر بالقلق بل والخوف علي أولادها من عدوي إنفلونزا الخنازير ولكن الوزير الجمل لا يشعر بذلك علي الإطلاق وخطة تطويره للتعليم مستمرة علي أساس أنه اطمأن بنفسه علي تجديد وتطوير حنفيات المدارس التي هي أفضل حماية للأطفال من عدوي إنفلونزا الخنازير..
باختصار زهقنا واتخنقنا من إصرار الوزير الجمل علي حالة التفاؤل والسعادة التي يتعامل بها مع الموقف علي أساس أن الحنفية شغالة..ومن حق الناس أن تعرف سر قوة الوزير الجمل الذي أثبت في كل أزمة أنه يعيش في عالم آخر لا علاقة له بمصر ولا بظروف مصر ولا بالناس في مصر علي اعتبار أنه يدير وزارة التعليم في سويسرا يجب أن تفتح ملفات تطوير التعليم علي مذهب الوزير الجمل والثانوية العامة التي تسربت والثانوية العامة التي كان ينوي تطبيقها في الأعوام القادمة والتي لن يكون لها قيمة لأنه لا علاقة لها بالقبول في الجامعات وحكايات التقويم الشامل والتراكمي وما جري في الكادر المهين للمعلمين.. ومع ذلك ـ وللإنصاف ـ فإن التاريخ سوف يسجل بإعجاب أهم إنجازات الوزير الجمل وهي أن في كل مدرسة حنفية يتدفق منها الماء..
علي أي حال بعد تغيير الوزير الجمل وهو ما عرفناه قبل ساعات يبقي السؤال: هل ينجو التعليم من الغرق؟
في الأسبوع المقبل بإذن الله:
لماذا تتغير استراتيجية التعليم
من وزير إلي وزير؟!
lelsebay@ahram.org.eg
غيير الوزير ومحاولة إنقاذ التعليـم من الغــرق!
بقلم : لبــيــب الســـبـاعي
علي طريقة الأبراج الصينية يمكن إعتبار عام2009 هو عام الجمل, وزير التربية والتعليم السابق الذي صدر قرار جمهوري بالأمس بتعيين الدكتور أحمد زكي بدر وزيرا للتربية والتعليم بدلا منه ليرث الدكتور بدر تركة من إنجازات الوزير الجمل ـ لا تحسدوه عليها ـ قبل أن نستعرض هذه الانجازات..
في مقدمة هذه الإنجازات نجاحه في تمرير النظام الجديد للثانوية العامة التي مازال الناس لا يعرفون أين أولها؟ وأين أخرها!! ونجح الوزير الجمل في إخضاع المعلمين للامتحانات تحت مسمي كادر المعلمين وأصبح المعلم في حالة أسوا في حالة التلميذ الفاشل الذي ينتظر الملحق لإنقاذ نفسه وأصبح المعلم مادة ثرية للسخرية من الجميع بدءا من رسامي الكاريكاتير وحتي التلاميذ أنفسهم.. ونجح الوزير الجمل في2009 في إرغام الجميع علي الاستسلام لفيضان من سيادته لا مبرر معلن له يقضي بمناقصة عالمية التأليف وطباعة وتوريد الكتب المدرسية في صفقة واحدة دون أن يوضح سبب الربط بين التأليف والطباعة في صفقة واحدة.. ثم نجح الوزير الجمل في أن تستمر المدارس مفتوحة رغم إنفلونزا الخنازير ورغم غياب التلاميذ تحت شعار أن حنفيات المدارس يتدفق منها الماء وقد اطمأن عليها الوزير الجمل بنفسه.
في حصـاد2009 نستعرض بإيجاز بعض ما تناولناه علي مدي العام والذي ـ بدون دهشة ـ مازال معبرا عن الواقع العجيب للتعليم المصري في عهد الوزير الجمل.. وقد نشرناه علي مدي عام2009 وكان الجمل متربعا علي كرسي الوزارة, وقد استهل الوزير الجمل إنجازات عام2009 بما لم يسبق إليه أي وزير آخر جلس علي مقعد وزير التعليم حيث كان الوزير الجمل هو أول وزير تعليم يجري حوارا صحفيا علي امتداد صفحة كاملة بإعلان مدفوع القيمة من دم الوزارة.. ومن شهر مارس أشرنا إلي ذلك باستغاثة تقول مش ممكن استمرار هذا الطوفان الذي يغمر ويغرق وسائل الإعلام بكافة أشكالها من تصريحات الدكتور الوزير يسري الجمل وزير التربية والتعليم والتي لا تضيف جديدا ولا تصلح خللا واحدا في التعليم المصري الذي يشهد تراجعا مؤسفا في السنوات الأخيرة وكل ما يشغل الوزير الجمل هو استمرار تدفق تصريحاته وصوره الباسمة السعيدة بلا مبرر واحد محققا إنجازا لم يتمكن طابور وزراء التعليم في مصر ـ منذ نشأة وزارة المعارف العمومية ـ في أن يحققه.. فالوزير الجمل هو أول وزير تعليم في مصر يلجأ إلي الإعلان عن نفسه وعن إنجازاته في وسائل الإعلام بإعلانات تجارية مدفوعة الثمن وكأنه سلعة غذائية أو منتجع سكني يبحث عن زبائن في أول حوار إعلاني مدفوع لوزير التعليم.. ومن أجل سواد عيون الوزير الجمل تحملت الوزارة سداد عشرات الآلاف من الجنيهات ـ يعلم الله تحت أي بند مالي- وذلك في الوقت الذي تحتاج فيه الآلاف من مدارس مصر لعشرات الجنيهات من أجل توفير سبورة أو مقعد يجلس عليه تلميذ.. وهناك مئات المدارس بلا أسوار ولا نوافذ ولا دورات مياه..
الدكتور الوزير الجمل لم يشغله كل ذلك لأن كل ما يشغله هو أن يظل موجودا وبقوة وكثافة عبر كل وسائل الإعلام متدفقا بتصريحات من نوعية تشرق الشمس من الشرق وهي تصريحات لا تصلح حالا ولا تضيف جديدا.. المهم أن تتواصل تصريحات الوزير إعلاميا أو إعلانيا تزينها صورته مبتسما سعيدا راضيا شاكرا نعمة الله ليس علي أحوال مدارسنا ولكن علي استمراره قاعدا مستقرا علي كرسي الوزارة وكلما انتشرت شائعة عن تغيير وزاري محتمل بادر الوزير الجمل إلي شن غارة إعلامية جديدة مجانية أو إعلانية بنفس طريقة مصانع الزيوت النباتية والمنتجعات السكنية والقري السياحية وهو مايفسر ماسورة الحوارات الصحفية والتليفزيونية التي انفجرت للوزير الجمل خلال الأسبوع الماضي وحتي أمس فقط.
الدكتور الوزير الجمل شغل مصر واشتغلها كلها بحكاية النظام الجديد للثانوية العامة وهل تكون هذه الثانوية المنكوبة سنة واحدة أم سنتين؟ وهل تتضمن موادا اختيارية وأخري إجبارية أم العكس؟ مقدما اختراعات لفظية مدهشة من نوعية الجذع المشترك والتقويم الشامل والامتحانات النوعية متجاهلا أن الأساس غائب وأنه لا يوجد أصلا تعليم يستحق كل هذه الضجة.
الدكتور الوزير الجمل لم يشغل نفسه بتوفير العناصر الأساسية لتقديم تعليم حقيقي في المدرسة!! وهي بدون فلسفة ولا جذع مشترك تتكون من مدرسة وفصول ومدرس وكتاب ومحتوي علمي لهذا الكتاب!! وفي غياب كل ذلك لا يوجد تعليم أساسا يستحق أن نشغل الناس والدولة في نظام جديد لامتحاناته سواء الثانوية العامة أو غيرها!!
المدهش أنه في ظل غياب كل هذه العناصر الأساسية للتعليم كان منطقيا بل وبديهيا أن ينتقل التعليم إلي البيوت معتمدا علي الدروس الخصوصية ولكن الأكثر إثارة للدهشة هو أن الدكتور الوزير الجمل لا يجد تفسيرا لغياب التلاميذ والمدرسين واختفاء دور المدرسة من علي خريطة التعليم في مصر؟!
الدكتور الوزير الجمل في زيارة لمدرسة السيدة خديجة الثانوية بنات ـ حسب ما نشرته الصحف وكان ذلك في مارس2009 أي قبل إنفلونزا الخنازير ـ وجد أن نسبة الحضور5%.. كمان مرة نقول نسبة الحضور خمسة في المائة!! يعني نسبة الغياب وصلت لخمسة وتسعين بالمائة.. فما كان من الدكتور الوزير الجمل إلا أن وجدها فرصة لإطلاق تصريحات لوذعية من نوعية ضرورة تطبيق لائحة غياب الطلاب وإخطار أولياء الأمور في حالة تكرار الغياب واتخاذ إجراءات صارمة ضد غياب الطلاب تتمثل في حرمانهم من دخول الامتحان كطلاب نظاميين وتحويلهم إلي طلاب منازل!! أما المدرسون فإذا ثبت تغيبهم دون سبب واقعي يتم تحويلهم إلي الشئون القانونية ـ ده الوزير الجمـل اللي بيقول ـ!!
ولم يحاول الوزير الجمل أن يسأل ـ ولو من باب العلم بالشيء أو الفضول ـ أين ذهب التلاميذ ومعهم المدرسون؟! ولماذا تغيبوا جميعا؟! ولماذا لم تعد المدرسة موجودة علي خريطة التعليم في مصر؟
والإجابة ـ إذا كان الوزير الجمل يريد أن يعرف ـ هي أن التلاميذ والمدرسين في البيوت حيث العملية التعليمية.. والمضحك أن الوزير الجمل في زيارته لنفس المدرسة أطلق تصريحا مذهلا لا يصدر عن مسئول مطلقا حيث قال سيادته: إن امتحانات الثانوية العامة للشعبة العلمية هذا العام ستكون سهلة وفي مستوي الطالب المتوسط بهدف تشجيع الطلاب علي دخول الشعبة العلمية!!
خلاص انتهت تصريحات الوزير الجمل بعد أن انفقعت معها مراراتنا ومرارة كل المهمومين بمستقبل التعليم في بلدنا!!
الوزيــر دائما علي حق!
ويبدو والله أعلم أن الوزير في مصر ـ أو بعضهم علي الأقل ـ ما أن ينعم الله عليه بكرسي الوزارة حتي يعتقد ـ وهو علي يقين ـ من أن مجرد الجلوس علي كرسي الوزارة يهبه مفاتيح العلم والحكمة والمعرفة ولولا معرفتنا أن سيـدنا محمـد ـ صلي الله عليه وسلم ـ هو آخر الرسل وخاتم الأنبياء لكان الوزير علي يقين من أنه قد أوتي الحكمة والنبوة يوم أن أدي اليمين الدستورية.
الوزير المصري من عهد رمسيس الأول وهو علي يقين بأن ما يراه هو الحق المطلق وأن ما يفعله هو الصواب الذي لا يحتمل الخطأ لأن الوزير ـ لا سمح الله- لا يخطئ.. فكل أفكاره وتخيلاته يراها هو ومن هم حوله ـ مع كل التواضع- خطط واستراتيجيات المستقبل المشرق علي يديه لتحقق أهدافا سامية حتي لو عجز المواطن عن إدراكها أو ادعي المواطن أنه لم يلمس أي نتائج إيجابية لهذه الخطط والاستراتيجيات الوزارية فالمواطن بسذاجته لا يعرف مصلحته أكثر مما يعرفها الوزير.. لأن المواطن ـ في رأي الوزير ـ يعجز عن إدراك ما يدركه الوزير وما يتفتق عن ذهنه من قرارات لولا انقطاع وحي السماء لكانت وحيا وإلهاما. طيب بذمتك ـ وأنا أرتضي ذمتك ـ عمرك سمعت أو قرأت أو شاهدت علي شاشة التليفزيون وزيرا يقول إنه أخطأ في قرار ما.
يقينا لم يحدث ولو مرة واحدة.. فالوزير دائما علي صواب ودائما يقف الحق بجانبه.. وهناك من يجد أو يخترع مبررا لكل أزمة تحدث بسبب فكرة وزارية.. والمبررات كثيرة أولها أن الناس لم تفهم أو أساءت تفسير فكر سيادة الوزير أو أن المواطن كما قلنا لا يعرف مصلحته أو أن من ينتقد الوزير مغرض وحاسد للوزير علي نعمة الوزارة!!
وربما يكون قطاع التعليم هو أحد القطاعات المهمة التي يتجسد فيها سلطان الوزير وسلطاته المطلقة والتي يغطيها ويسترها من خلال لجان توافق علي كل ما يراه الوزير!!
ويبدو ذلك واضحا من خلال موضوع المناقصة التي أعلنتها وزارة التربية والتعليم والتي تدعو فيها جميع دور النشر المحلية والعالمية لتوريد الكتاب المدرسي لمواد العلوم والرياضيات واللغة الإنجليزية للمرحلة الابتدائية وهذا الكتاب يتضمن التأليف والطبع والتوريد وما يعنيه ذلك من تهديد لصناعة الطباعة في مصر وما يثيره من علامات استفهام حول ربط الطبع والتوريد بالتأليف!
واستغاثت المطابع المصرية ـ ومنها مطابع المؤسسات الصحفية ـ من قرار أو انتقام الوزير فما كان من سيادته ـ الذي كمعظم الوزراء لا يخطئ ـ سوي أنه أكد أن المناقصة سوف تتم لأنها وردت بالخطة الاستراتيجية لسيادته وهي الخطة التي تحظي بتأييد محلي وعالمي ـ هكذا يري الوزير. ويستطرد الوزير ومستشاروه ومعاونوه في توضيح أن القرار سليم مليون في المائة وليس له أي تأثير ضار علي الاقتصاد سوف يؤدي إلي تخلص الأسر المصرية من سلبيات ظاهرة الكتب الخارجية وكذلك الدروس الخصوصية مما يؤدي إلي تخفيف العبء الاقتصادي الواقع عليها!!
خلاص تاهت ولقيناها.. وعلي رأي الفنان سعيد صالح في مسرحية مدرسة المشاغبينوهو ينصح المدرس كل ما تتزنق اقلع ولذلك فكل ما نتزنق نرفع شعـار القضاء علي الدروس الخصوصية والكتب الخارجية. وهي وصفة سبقت تجربتها في إلغاء السنة السادسة وعودتها وفي الثانوية العامة سنة واحدة وسنتان وفي تطبيق التحسين وإلغاء التحسين وفي الثانوية العامة السابقة والحالية والقادمة وفي امتحانات كادر المعلمين.
باختصار: الحقيقة هي ما يراها الوزير وحتي لو رأي عكسها بعد قليل فهي أيضا الحقيقة وهي في النهاية ما سوف يطبق ولن نملك له تبديلا أو مراجعة.. فما بالك بمن يزعم أن الوزير قد أخطأ؟!
حنفية الوزير!
وعلي إمتداد2009 زهقنا من الكلام الذي لا يسمعه أحد.. نقول أحوال المدارس مهببة فيخرج الوزير الجمل مبتسما مؤكدا أنها زي الفل.. نتكلم عن الكثافة فينفي تماما وجود كثافة في الفصول.. نحذر من انتشار إنفلونزا الخنازير فيقول بكل جرأة إننا بفضل جهود سيادته من أفضل4 دول في العالم في التعامل مع الإنفلونزا.. باختصار مفيش فايدة.. زهقنا من مسئولين في حالة إرسال مستمر للتصريحات غير المعقولة والتي تذكرنا بالمثل الذي يقول: إنه إذا كان المتكلم مجنونا فعلي المستمع أن يكون عاقلا!! كما نتوهم أن المسئول المصري ـ زي كل الدنيا ـ يرسل ويستقبل.. يعني يتكلم ويسمع ولكن للأسف يبدو أن المسئول ـ تقفيل مصر ـ يتكلم ويقرر ويصرح ويوجه ويفتي فقط.. يعني في حالة إرسال متواصل ولا يستقبل وعلي كل من حوله أن يستقبل إرسال المسئول من قرارات وتوجهات وفتاوي بكل الإعجاب والدهشة.. وأن يدرك أن أي مجهود لمناقشة الباشا المسئول أو طرح رأي يخالف فكر سيادته هو مجهود ضائع لأن المسئول المصري ـ يا محترم ـ كما قلنا يرسل فقط ولا يستقبل.
ورغم أن إغلاق فصول دراسية ومدارس من أبوابها علي امتداد محافظات مصر أصبح أحد الأخبار اليومية لوسائل الإعلام وبالتالي فقد أهميته بالتدريج وانتقل من الصفحات الأولي إلي الصفحات الداخلية فما زال الوزير الجمل مستمسكا بأن الأحوال عال العال وكل شيء علي ما يرام محاولا إقناع الرأي العام بأن زيارته لدورات المياه في المدارس تكفي لكي يطمئن أولياء الأمور علي أطفالهم وهو يقولها حرفيا في تصريحاته التي لا تتوقف إطمئنوا.. مدارسنا مستعدة لانتشار العدوي ومصر من أفضل4 دول في العالم في التعامل مع المرض!! انتهي إرسال الوزير بدون فواصل إعلانية. وعلي الرغم من سرعة انتشار العدوي في المدارس وانتقالها من محافظة إلي أخري ـ وهو ما يترتب عليه تعطيل الدراسة في عدد من الفصول الدراسية وبدء إغلاق مدارس من أبوابهاـ ومع ذلك استمرار الوزير الجمل يؤكد تطبيق نظامه المستورد تحت اسم التقويم الشامل الذي يعتمد علي حضور الطالب للمدرسة وممارسته لجميع الأنشطة المدرسية ـ التي هي غير موجودة أصلا حتي بدون الغياب بسبب إنفلونزا الخنازير ـ وهو ما يؤكد أننا جميعا في دنيا والوزير الجمل في دنيا أخري تماما.. فالناس جميعا تشعر بالقلق بل والخوف علي أولادها من عدوي إنفلونزا الخنازير ولكن الوزير الجمل لا يشعر بذلك علي الإطلاق وخطة تطويره للتعليم مستمرة علي أساس أنه اطمأن بنفسه علي تجديد وتطوير حنفيات المدارس التي هي أفضل حماية للأطفال من عدوي إنفلونزا الخنازير..
باختصار زهقنا واتخنقنا من إصرار الوزير الجمل علي حالة التفاؤل والسعادة التي يتعامل بها مع الموقف علي أساس أن الحنفية شغالة..ومن حق الناس أن تعرف سر قوة الوزير الجمل الذي أثبت في كل أزمة أنه يعيش في عالم آخر لا علاقة له بمصر ولا بظروف مصر ولا بالناس في مصر علي اعتبار أنه يدير وزارة التعليم في سويسرا يجب أن تفتح ملفات تطوير التعليم علي مذهب الوزير الجمل والثانوية العامة التي تسربت والثانوية العامة التي كان ينوي تطبيقها في الأعوام القادمة والتي لن يكون لها قيمة لأنه لا علاقة لها بالقبول في الجامعات وحكايات التقويم الشامل والتراكمي وما جري في الكادر المهين للمعلمين.. ومع ذلك ـ وللإنصاف ـ فإن التاريخ سوف يسجل بإعجاب أهم إنجازات الوزير الجمل وهي أن في كل مدرسة حنفية يتدفق منها الماء..
علي أي حال بعد تغيير الوزير الجمل وهو ما عرفناه قبل ساعات يبقي السؤال: هل ينجو التعليم من الغرق؟
في الأسبوع المقبل بإذن الله:
لماذا تتغير استراتيجية التعليم
من وزير إلي وزير؟!
lelsebay@ahram.org.eg