قال العلامة ابن جبرين رحمه الله تعالى: يقول الله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم
مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}
[السجدة: 11].
هكذا أخبر بأن ملك الموت وُكِّل بجنس ذوي الأرواح يقبضها.
وقال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا
وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} [الأنعام: 61].
ويقول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا
جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} [الأنعام: 60].
والتوفي قد يُراد به أخذُ الأرواح، ويراد به قبضُ الأرواح بالوفاة الذي هو الخروج
من هذه الحياة.
وفي حديث قبض الأرواح المشهور عن البراء رضي الله عنه أن ملك الموت يأتي عند رأس
الميت قرب موته ولو لم يشعر به المتوفّى، ولو كان يمشي، ولو كان سليمًا، ثم يخاطب
رُوحَه فيقول: (اخرجي أيتها الروحُ الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي إلى رَوحٍ
وريحان، وربٍّ غيرِ غضبان، فتخرج رُوحه كما تسيل القطرة من فم السقاء) وفي رواية:
(تُسلّ روحه كما تسلّ الشعرة من العجين) أي لا يتأثر بها.
وذكر في الكافر أنه يقال له: (اخرجي أيتها الرُّوح الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث،
اخرجي إلى سخط من الله وغضب، فتتفرق رُوحه في جسده، وينتزعها منه كما ينتزع
السَّفُّود من الصُّوف المبلول) [أخرجه أحمد وغيره، وقال الحاكم: على شرطهما،
ووافقه الذهبي].
والسفود هو: حديدة لها رءوس متشعبة ملتوية، إذا كانت في وسط الصوف وفي وسط الغزل
صعب تخليصها منها، فلا تنزع منه إلا بعدما تتقطع تلك الشعرات في ذلك الغزل قطعًا
شديدًا.
فهكذا هذه الروح في جسد الكافر تتعلق بعروقه وبلحمه وبدمه، فلا تخرج إلا بشدة، وقد
فُسر بذلك أول سورة النازعات {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا، وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا}
[النازعات: 1، 2].
فقيل: إن النازعات أرواح الكفار، تنزع نزعًا، والناشطات: نشط أرواح المؤمنين، تنشط
أي: تسل ولا يحس بألم فيها، ولا شك أن هذا بأمر الله تعالى، ومع ذلك فقد يشدد
الموتُ على بعض الصالحين، وتكون الحكمة في ذلك زيادةُ ثوابه وكثرة حسناته، وتكفير
سيئاته.
وقد ورد في الحديث: (المؤمن يموتُ بعرقِ الجبين) [أخرجه أحمد والترمذي والنسائي
وابن ماجه وصححه الألباني].
قيل: معناه أنه يُشَدَّدُ عليه الموتُ حتى يعرق جبينُه من الألم والشدة، وفسر بغير
ذلك، وروي أنه صلى الله عليه وسلم في آخر حياته عند موته أخذ يبُل يديه ويمسحُ
وجهَه ويقول: (اللهم أعني على الموت) أو (هَوِّنْ عليَّ الموت) أو (أعنِّي على
الموت، وهَوِّنْ عَلَيَّ سكراته) [قال في كنز العمال: رواه ابن أبي الدنيا في ذكر
الموت].
فيدل على أن الموت -الذي هو: خروج الروح من الجسد- شديد.
وهذه الروح التي تعمر هذا الجسد إذا خرجت منه بقي الجسد جثة ليس فيه حركة، وليس فيه
إحساس، مع أنه لم يتغير من أصله، لو وزن قبل الموت بلحظة، ثم وزن بعد خروج رُوحه ما
ظهر فرق بين الحالتين، وهكذا أيضًا غيره من الحيوانات.
لما ذكر الله تعالى أن الأرواح في هذه الأجساد ذكر أنها تحشر إلى الله وتموت:
{وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ
أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى
رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 83].
فجميع الدواب أيضًا تموت كما يموت الإنسان، وموتها بخروج الروح التي كانت فيها،
وليس يظهر أثرها، لو وزن مثلا الكبش قبل ذبحه، أو قبل موته، ثم وزن بعد موته ما ظهر
هناك فرق، إلا فرق ذلك الدم الذي خرج بعد ذبحه، وإذا مات حتفَ أنفه دون أن يُذَكَّى
به، لم يَصِرْ هناك فرق، فدل على أن هذه الروح خفيفة، ليس لها تأثير في ثقل وزنه،
ومع ذلك فإنها تتألم وتتنعم، وتحس، ويكون لها إحساس بعد الموت، وبعد مفارقتها
لجسدها.
وفي حديث البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المؤمن إذا كان في إقبال من
الآخرة وانقطاع من الدنيا، نزل عليه ملائكةٌ بيضُ الوجوه، معهم أكفانٌ من الجنة،
وحَنُوطٌ من الجنة، وياسمين من الجنة، فيجلسون منه مدّ البصر، ويأتيه ملكُ الموت
فيقول: أيتها الروح الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرُجي إلى رَوْح وريحان ورب غير
غضبان، فتُسَل رُوحُه كما تسل الشعرة من العجين، فإذا أخذها لم يدعْها في يده طرفةَ
عين، حتى يجعلها في تلك الأكفان وفي ذلك الحنوط والياسمين، ويخرج منها كأطيب رائحة
وجدت على ظهر الدنيا، ثم يصعدون بها، ولا يمرون بملأ من الملائكة إلا سألوهم: ما
هذه الروح؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا).
وذكر في الكافر ضد ذلك، نعوذ بالله من المهالك.
فهذا دليل على أن الملائكة يقبضون الأرواح، وأنهم يُنَعِّمُونها أو يعذبونها، وأنها
تحس بالألم، أو تحس بالعذاب، وأنها تتأثر بذلك، وإن كانت قد فارقت الجسد.
وأما الجسد فإنه لا يبقى له إحساس في الظاهر، بل يفنى، ويكون ترابًا وعظامًا
ورفاتًا، إلى أن يأذن الله تعالى بإعادته كما يشاء.
مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}
[السجدة: 11].
هكذا أخبر بأن ملك الموت وُكِّل بجنس ذوي الأرواح يقبضها.
وقال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا
وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} [الأنعام: 61].
ويقول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا
جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} [الأنعام: 60].
والتوفي قد يُراد به أخذُ الأرواح، ويراد به قبضُ الأرواح بالوفاة الذي هو الخروج
من هذه الحياة.
وفي حديث قبض الأرواح المشهور عن البراء رضي الله عنه أن ملك الموت يأتي عند رأس
الميت قرب موته ولو لم يشعر به المتوفّى، ولو كان يمشي، ولو كان سليمًا، ثم يخاطب
رُوحَه فيقول: (اخرجي أيتها الروحُ الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي إلى رَوحٍ
وريحان، وربٍّ غيرِ غضبان، فتخرج رُوحه كما تسيل القطرة من فم السقاء) وفي رواية:
(تُسلّ روحه كما تسلّ الشعرة من العجين) أي لا يتأثر بها.
وذكر في الكافر أنه يقال له: (اخرجي أيتها الرُّوح الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث،
اخرجي إلى سخط من الله وغضب، فتتفرق رُوحه في جسده، وينتزعها منه كما ينتزع
السَّفُّود من الصُّوف المبلول) [أخرجه أحمد وغيره، وقال الحاكم: على شرطهما،
ووافقه الذهبي].
والسفود هو: حديدة لها رءوس متشعبة ملتوية، إذا كانت في وسط الصوف وفي وسط الغزل
صعب تخليصها منها، فلا تنزع منه إلا بعدما تتقطع تلك الشعرات في ذلك الغزل قطعًا
شديدًا.
فهكذا هذه الروح في جسد الكافر تتعلق بعروقه وبلحمه وبدمه، فلا تخرج إلا بشدة، وقد
فُسر بذلك أول سورة النازعات {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا، وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا}
[النازعات: 1، 2].
فقيل: إن النازعات أرواح الكفار، تنزع نزعًا، والناشطات: نشط أرواح المؤمنين، تنشط
أي: تسل ولا يحس بألم فيها، ولا شك أن هذا بأمر الله تعالى، ومع ذلك فقد يشدد
الموتُ على بعض الصالحين، وتكون الحكمة في ذلك زيادةُ ثوابه وكثرة حسناته، وتكفير
سيئاته.
وقد ورد في الحديث: (المؤمن يموتُ بعرقِ الجبين) [أخرجه أحمد والترمذي والنسائي
وابن ماجه وصححه الألباني].
قيل: معناه أنه يُشَدَّدُ عليه الموتُ حتى يعرق جبينُه من الألم والشدة، وفسر بغير
ذلك، وروي أنه صلى الله عليه وسلم في آخر حياته عند موته أخذ يبُل يديه ويمسحُ
وجهَه ويقول: (اللهم أعني على الموت) أو (هَوِّنْ عليَّ الموت) أو (أعنِّي على
الموت، وهَوِّنْ عَلَيَّ سكراته) [قال في كنز العمال: رواه ابن أبي الدنيا في ذكر
الموت].
فيدل على أن الموت -الذي هو: خروج الروح من الجسد- شديد.
وهذه الروح التي تعمر هذا الجسد إذا خرجت منه بقي الجسد جثة ليس فيه حركة، وليس فيه
إحساس، مع أنه لم يتغير من أصله، لو وزن قبل الموت بلحظة، ثم وزن بعد خروج رُوحه ما
ظهر فرق بين الحالتين، وهكذا أيضًا غيره من الحيوانات.
لما ذكر الله تعالى أن الأرواح في هذه الأجساد ذكر أنها تحشر إلى الله وتموت:
{وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ
أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى
رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 83].
فجميع الدواب أيضًا تموت كما يموت الإنسان، وموتها بخروج الروح التي كانت فيها،
وليس يظهر أثرها، لو وزن مثلا الكبش قبل ذبحه، أو قبل موته، ثم وزن بعد موته ما ظهر
هناك فرق، إلا فرق ذلك الدم الذي خرج بعد ذبحه، وإذا مات حتفَ أنفه دون أن يُذَكَّى
به، لم يَصِرْ هناك فرق، فدل على أن هذه الروح خفيفة، ليس لها تأثير في ثقل وزنه،
ومع ذلك فإنها تتألم وتتنعم، وتحس، ويكون لها إحساس بعد الموت، وبعد مفارقتها
لجسدها.
وفي حديث البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المؤمن إذا كان في إقبال من
الآخرة وانقطاع من الدنيا، نزل عليه ملائكةٌ بيضُ الوجوه، معهم أكفانٌ من الجنة،
وحَنُوطٌ من الجنة، وياسمين من الجنة، فيجلسون منه مدّ البصر، ويأتيه ملكُ الموت
فيقول: أيتها الروح الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرُجي إلى رَوْح وريحان ورب غير
غضبان، فتُسَل رُوحُه كما تسل الشعرة من العجين، فإذا أخذها لم يدعْها في يده طرفةَ
عين، حتى يجعلها في تلك الأكفان وفي ذلك الحنوط والياسمين، ويخرج منها كأطيب رائحة
وجدت على ظهر الدنيا، ثم يصعدون بها، ولا يمرون بملأ من الملائكة إلا سألوهم: ما
هذه الروح؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا).
وذكر في الكافر ضد ذلك، نعوذ بالله من المهالك.
فهذا دليل على أن الملائكة يقبضون الأرواح، وأنهم يُنَعِّمُونها أو يعذبونها، وأنها
تحس بالألم، أو تحس بالعذاب، وأنها تتأثر بذلك، وإن كانت قد فارقت الجسد.
وأما الجسد فإنه لا يبقى له إحساس في الظاهر، بل يفنى، ويكون ترابًا وعظامًا
ورفاتًا، إلى أن يأذن الله تعالى بإعادته كما يشاء.