باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 13فبراير سنة 2005م الموافق 4 من المحرم سنة 1426هـ.
برئاسة السيد المستشار / ممدوح مرعي رئيس المحكمة
وبحضور السادة المستشارين: حمدي محمد علي وعدلي محمود منصور وعلى عوض محمد صالح وإلهام نجيب نوار ومحمد عبدالعزيز الشناوي والسيد عبدالمنعم حشيش
وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم297 لسنة25 قضائية "دستورية"، المحالة من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية "الدائرة الأولى"
بالحكم الصادر بجلسة 2/4/2003 في الدعوى رقم12411 لسنة 56 قضائية
المقامة من
السيدة/ xxxx
ضد
1- السيد وزير التعليم العالي
2- السيد وزير الشباب والرياضة
3- السيد رئيس جامعة الإسكندرية
الإجراءات
بتاريخ الرابع عشر من شهر ديسمبر سنة2003، ورد إلي قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم12411 لسنة56 "قضائية" من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية تنفيذاً لحكمها الصادر بجلسة 3/4/2003 برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها شكلاً وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار، وبوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلي هذه المحكمة للفصل في دستورية الفقرة الثالثة من المادة "80" من اللائحة التنفيذية للقانون رقم49 لسنة1972 بشأن تنظيم الجامعات الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم809 لسنة1975.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وقدم المدعي عليه الثالث مذكرة طلب في ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم ..
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة ..
حيث أن الوقائع تتحصل ـ على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق ـ في أن المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم12411 لسنة56 "قضائية"، أمام محكمة القضاء الإداري بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس جامعة الإسكندرية بعدم قبول العذر المقدم منها عن دخول امتحان عامي 2000/2001 و2001/2002 وما يترتب على ذلك من آثار.
وقالت بياناً لدعواها أنها التحقت بكلية التربية الرياضية ـ جامعة الإسكندرية عام 1994/1995، وقد أصيبت بعدة إصابات أثناء وبسبب التدريبات العملية التي كانت تؤديها بالكلية، فتقدمت بثلاثة أعذار مرضية لإعفائها من أداء الامتحانات تم قبولها كلها، وعندما تقدمت بطلب جديد لقبول عذرها المرضي عن عدم أداء امتحان الفرقة الرابعة، رفضته الإدارة العامة للتعليم بجامعة الإسكندرية استناداً إلي نص المادة "80" من اللائحة التنفيذية لقانون الجامعات، لذا فقد أقامت دعواها آنفة البيان، وإذا تراءى لمحكمة الموضوع عدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة "80" سالفة الذكر، فقد قررت وقف الدعوى وإحالتها إلي المحكمة الدستورية العليا.
وحيث أن الفقرة الثالثة من المادة "80" من اللائحة التنفيذية لقانون الجامعات الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم809 لسنة1975 المستبدلة بقرار رئيس الجمهورية رقم278 لسنة1981 تنص على أنه: "وإذا تخلف الطالب عن دخول الامتحان بعذر قهري يقبله مجلس الكلية فلا يحسب غيابه رسوباً بشرط ألا يزيد التخلف عن فرصتين متتاليتين أو متفرقتين خلال سنين الدراسة بالكلية وبجوز في حالة الضرورة بقرار من مجلس الجامعة منح فرصة ثالثة للطالب".
وحيث أن محكمة القضاء الإداري إذ أحالت الدعوى إلي المحكمة الدستورية العليا لقول فصل في دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة "80" من اللائحة التنفيذية لقانون الجامعات، بعد أن قدرت لزوم الفصل في المسألة المتعلقة بدستوريته للبت في النزاع الموضوعي الذي يدور حول إلغاء قرار رئيس جامعة الإسكندرية بعدم قبول عذر المدعية المرضي لإعفائها من دخول امتحان الفرقة الرابعة، وكان صحيحاً أن المصلحة الشخصية المباشرة متحققة بالنسبة للطعن على الحكم في الدعوى الموضوعية، وبالتالي يتحدد نطاق الدعوى بالطعن على النص المذكور.
وحيث أن حكم الإحالة ينعى على النص المطعون فيه أنه يحول بين المدعية وبين الحق في التعليم المكفول بنص المادة "18" من الدستور،ويناهض ما جاء ببقية أحكام الدستور التي تراعي حالات الضرورة، ولا تكلف المواطن غير طاقته أو ترهقه من أمره عسراً، وبذلك يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وفقاً لما جاء بالمادة الثانية من الدستور.
وحيث أنه عن النعي بمخالفة النص الطعين لأحكام الشريعة الإسلامية فهو مردود، ذلك أن ـ المقرر في قضاء هذه المحكمة ـ أن النص في المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها في عام1980 على أن: "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". يدل على أنه لا يجوز لنص تشريعي يصدر في ظله أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها أو دلالتها معاً، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يمتنع الاجتهاد فيها لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية ثوابتها التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً، أما الأحكام غير القطعية في ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معاً، فإن باب الاجتهاد يتسع فيها لمواجهة تغير الزمان والمكان، وتطور الحياة وتنوع مصالح العباد وهو اجتهاد إن كان جائزاً ومندوباً من أهل الفقه، فهو في ذلك أوجل وأولى لولي الأمر ليواجه به ما تقضيه مصلحة الجماعة درءاً لمفسدة أو جلباً لمنفعة أو درءاً وجلباً للأمرين معاً.
وحيث أن تنظيم الاعتذار عن عدم أداء الامتحانات لأسباب صحية من الأمور الوضعية التي لا تندرج تحت قاعدة أو جزئية من قواعد الشريعة الإسلامية قطعية الثبوت والدلالة، فإنه يكون لولي الأمر ـ بواسطة التشريع الوضعي ـ تنظيمها بما يتفق ومصلحة الجماعة، ومن ثم يكون النعي بمخالفة النص المطعون عليه لمبادئ الشريعة الإسلامية فاقداً لسنده متعيناً الالتفات عنه.
وحيث أنه عن النعي بإخلال النص الطعين بالحق في التعليم المقرر بالمادة "18" من الدستور، والتفاته عن مبادئ الدستور التي تأخذ بالضرورة، ولا تلف المرء ما يزيد على طاقته، أو تحسب عليه ما لا يملك له دفعاً، فهو صحيح في جملته، ذلك أن ـ المقرر في قضاء هذه المحكمة ـ أن كفالة الدستور لحق التعليم إنما جاء انطلاقاً من حقيقة أن التعليم يعد من أهم وظائف الدولة وأكثرها خطراً وأنه أداتها الرئيسية التي تنمي في النشء القيم الخلقية والتربوية والثقافية، وأن التعليم العالي بجميع كلياته ومعاهده يشكل الركيزة الرئيسية لمد المجتمع بالمتخصصين والفنيين والخبراء الذين تقع على عواتقهم مسئولية العمل في مختلف مجالاته وانه أصبح لزاما على الدولة أن تراعى عند تنظيمها الحق في التعليم أن يكون لكل مواطن الحق فى أن يتلقى منه قدرا يتناسب مع ميوله وملكاته وقدرته ومواهبه وذلك كله وفق القواعد التي يتولى المشرع وضعها تنظيما لهذا الحق بما لايؤدى إلي مصادرته أو الانتقاص منه, وعلى ألا تخل القيود التى يفرضها فى مجال هذا التنظيم بمبدئى تكافؤ الفرص والمساوة . وحيث أن المشرع فى مجال رعايته لطلاب الجامعات أفرد أصحاب الأعذار القهرية التى تحول بينهم وبين أداء الامتحانات بمعاملة خاصة , إذ أتاح لهم التخلف عن دخول الامتحان ثلاث مرات متتالية أو متفرقة بناء على قرار مجلس الكلية فى المرتين الاولى والثانية ومجلس الجامعة فى الثالثة , إلا أنه عاد وحال دون الاعتداد بالحالات القهرية المفاجئة التى تطرأ بعد استنفاد المرات الثلاث آنفة البيان , وهو ما يتأبى على طبيعة العذر القهرى ويتنافر مع مدلولها , بحسبانه حدثا غير مألوف تنتظمه فكرة المفاجأة التى يستحيل توقعها ويتعذر دفعها من جانب أشد الناس يقظة وبصرا بالأمور . ولايحول دون اعتبار العذر قهريا سابقة وقوعه , إذا كان من الندرة بحيث لا يقوم سببب خاص للتنبؤ بحدوثه , ولا يكون فى طاقة من حاق به أن يدفعه أو يمنع أثره . وقد كان الأحجى لدى المشرع أن يقيم ضربا من ضروب التوازن بين التزام الطلاب بأداء الامتحانات فى مواعيد محددة , وبين ما قد يلم بهم من احداث قاهرة تحول بينهم وبين انفاذ هذا الالتزام , وان يحرص – اتساقا مع منهجه – على أن يتجاوزا تلك الاحداث . وحيث أن القول بافراد أصحاب الأعذار القهرية بمعاملة خاصة ينطوى على اخلال بمبدأ المساواة المنصوص عليه فى المادة 40 من الدستور مردود بأن - المقرر فى قضاء هذه المحكمة – أن اعمال حكم هذه المادة , يعتبر كذلك – وبالنظر إلي محتواه – قرين العدل والحرية والسلام الاجتماعى , فلا يكفل أغراضا تقتضيها موازين المساواة المطلقة بين المواطنين جميعهم على مابين ظروفهم وأوضاعهم من فوارق , وهو بذلك لا يردهم جميعا إلي قاعدة صماء , ولا يحول دون التمييز بينهم على أسس موضوعية يكون مبناها تلك العلاقة المنطقية بين النصوص القانونية – باعتبارها وسائل ينتقيها المشرع لينظم بها موضوعا واحدا – والأغراض التي قصد إليها من إجراء هذا التنظيم
لما كان ما تقدم , وكان النص المطعون فيه يناهض مبادئ العدالة والتضامن الاجتماعي , ولا يقيم وزنا للأحداث القاهرة التي تصادف بعض الطلاب , فلا يملكون لها دفعا , كما يهدر كفالة الدولة للحق في التعليم مما أدى إلي ترديه في مخالفة المادتين 7,18 من الدستور
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة : بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة 80 من اللائحة التنفيذية لقانون الجامعات الصادرة بقرار من رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1975 المستبدلة بالقرار رقم 278 لسنة 1981 فيما تضمنه من تحديد عدد المرات التي يجوز تخلف الطالب عن دخول الامتحان فيها بعذر قهري .
أمين السر رئيس المحكمة
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 13فبراير سنة 2005م الموافق 4 من المحرم سنة 1426هـ.
برئاسة السيد المستشار / ممدوح مرعي رئيس المحكمة
وبحضور السادة المستشارين: حمدي محمد علي وعدلي محمود منصور وعلى عوض محمد صالح وإلهام نجيب نوار ومحمد عبدالعزيز الشناوي والسيد عبدالمنعم حشيش
وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم297 لسنة25 قضائية "دستورية"، المحالة من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية "الدائرة الأولى"
بالحكم الصادر بجلسة 2/4/2003 في الدعوى رقم12411 لسنة 56 قضائية
المقامة من
السيدة/ xxxx
ضد
1- السيد وزير التعليم العالي
2- السيد وزير الشباب والرياضة
3- السيد رئيس جامعة الإسكندرية
الإجراءات
بتاريخ الرابع عشر من شهر ديسمبر سنة2003، ورد إلي قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، ملف الدعوى رقم12411 لسنة56 "قضائية" من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية تنفيذاً لحكمها الصادر بجلسة 3/4/2003 برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها شكلاً وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار، وبوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلي هذه المحكمة للفصل في دستورية الفقرة الثالثة من المادة "80" من اللائحة التنفيذية للقانون رقم49 لسنة1972 بشأن تنظيم الجامعات الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم809 لسنة1975.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وقدم المدعي عليه الثالث مذكرة طلب في ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم ..
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة ..
حيث أن الوقائع تتحصل ـ على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق ـ في أن المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم12411 لسنة56 "قضائية"، أمام محكمة القضاء الإداري بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس جامعة الإسكندرية بعدم قبول العذر المقدم منها عن دخول امتحان عامي 2000/2001 و2001/2002 وما يترتب على ذلك من آثار.
وقالت بياناً لدعواها أنها التحقت بكلية التربية الرياضية ـ جامعة الإسكندرية عام 1994/1995، وقد أصيبت بعدة إصابات أثناء وبسبب التدريبات العملية التي كانت تؤديها بالكلية، فتقدمت بثلاثة أعذار مرضية لإعفائها من أداء الامتحانات تم قبولها كلها، وعندما تقدمت بطلب جديد لقبول عذرها المرضي عن عدم أداء امتحان الفرقة الرابعة، رفضته الإدارة العامة للتعليم بجامعة الإسكندرية استناداً إلي نص المادة "80" من اللائحة التنفيذية لقانون الجامعات، لذا فقد أقامت دعواها آنفة البيان، وإذا تراءى لمحكمة الموضوع عدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة "80" سالفة الذكر، فقد قررت وقف الدعوى وإحالتها إلي المحكمة الدستورية العليا.
وحيث أن الفقرة الثالثة من المادة "80" من اللائحة التنفيذية لقانون الجامعات الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم809 لسنة1975 المستبدلة بقرار رئيس الجمهورية رقم278 لسنة1981 تنص على أنه: "وإذا تخلف الطالب عن دخول الامتحان بعذر قهري يقبله مجلس الكلية فلا يحسب غيابه رسوباً بشرط ألا يزيد التخلف عن فرصتين متتاليتين أو متفرقتين خلال سنين الدراسة بالكلية وبجوز في حالة الضرورة بقرار من مجلس الجامعة منح فرصة ثالثة للطالب".
وحيث أن محكمة القضاء الإداري إذ أحالت الدعوى إلي المحكمة الدستورية العليا لقول فصل في دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة "80" من اللائحة التنفيذية لقانون الجامعات، بعد أن قدرت لزوم الفصل في المسألة المتعلقة بدستوريته للبت في النزاع الموضوعي الذي يدور حول إلغاء قرار رئيس جامعة الإسكندرية بعدم قبول عذر المدعية المرضي لإعفائها من دخول امتحان الفرقة الرابعة، وكان صحيحاً أن المصلحة الشخصية المباشرة متحققة بالنسبة للطعن على الحكم في الدعوى الموضوعية، وبالتالي يتحدد نطاق الدعوى بالطعن على النص المذكور.
وحيث أن حكم الإحالة ينعى على النص المطعون فيه أنه يحول بين المدعية وبين الحق في التعليم المكفول بنص المادة "18" من الدستور،ويناهض ما جاء ببقية أحكام الدستور التي تراعي حالات الضرورة، ولا تكلف المواطن غير طاقته أو ترهقه من أمره عسراً، وبذلك يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وفقاً لما جاء بالمادة الثانية من الدستور.
وحيث أنه عن النعي بمخالفة النص الطعين لأحكام الشريعة الإسلامية فهو مردود، ذلك أن ـ المقرر في قضاء هذه المحكمة ـ أن النص في المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها في عام1980 على أن: "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". يدل على أنه لا يجوز لنص تشريعي يصدر في ظله أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها أو دلالتها معاً، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يمتنع الاجتهاد فيها لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية ثوابتها التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً، أما الأحكام غير القطعية في ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معاً، فإن باب الاجتهاد يتسع فيها لمواجهة تغير الزمان والمكان، وتطور الحياة وتنوع مصالح العباد وهو اجتهاد إن كان جائزاً ومندوباً من أهل الفقه، فهو في ذلك أوجل وأولى لولي الأمر ليواجه به ما تقضيه مصلحة الجماعة درءاً لمفسدة أو جلباً لمنفعة أو درءاً وجلباً للأمرين معاً.
وحيث أن تنظيم الاعتذار عن عدم أداء الامتحانات لأسباب صحية من الأمور الوضعية التي لا تندرج تحت قاعدة أو جزئية من قواعد الشريعة الإسلامية قطعية الثبوت والدلالة، فإنه يكون لولي الأمر ـ بواسطة التشريع الوضعي ـ تنظيمها بما يتفق ومصلحة الجماعة، ومن ثم يكون النعي بمخالفة النص المطعون عليه لمبادئ الشريعة الإسلامية فاقداً لسنده متعيناً الالتفات عنه.
وحيث أنه عن النعي بإخلال النص الطعين بالحق في التعليم المقرر بالمادة "18" من الدستور، والتفاته عن مبادئ الدستور التي تأخذ بالضرورة، ولا تلف المرء ما يزيد على طاقته، أو تحسب عليه ما لا يملك له دفعاً، فهو صحيح في جملته، ذلك أن ـ المقرر في قضاء هذه المحكمة ـ أن كفالة الدستور لحق التعليم إنما جاء انطلاقاً من حقيقة أن التعليم يعد من أهم وظائف الدولة وأكثرها خطراً وأنه أداتها الرئيسية التي تنمي في النشء القيم الخلقية والتربوية والثقافية، وأن التعليم العالي بجميع كلياته ومعاهده يشكل الركيزة الرئيسية لمد المجتمع بالمتخصصين والفنيين والخبراء الذين تقع على عواتقهم مسئولية العمل في مختلف مجالاته وانه أصبح لزاما على الدولة أن تراعى عند تنظيمها الحق في التعليم أن يكون لكل مواطن الحق فى أن يتلقى منه قدرا يتناسب مع ميوله وملكاته وقدرته ومواهبه وذلك كله وفق القواعد التي يتولى المشرع وضعها تنظيما لهذا الحق بما لايؤدى إلي مصادرته أو الانتقاص منه, وعلى ألا تخل القيود التى يفرضها فى مجال هذا التنظيم بمبدئى تكافؤ الفرص والمساوة . وحيث أن المشرع فى مجال رعايته لطلاب الجامعات أفرد أصحاب الأعذار القهرية التى تحول بينهم وبين أداء الامتحانات بمعاملة خاصة , إذ أتاح لهم التخلف عن دخول الامتحان ثلاث مرات متتالية أو متفرقة بناء على قرار مجلس الكلية فى المرتين الاولى والثانية ومجلس الجامعة فى الثالثة , إلا أنه عاد وحال دون الاعتداد بالحالات القهرية المفاجئة التى تطرأ بعد استنفاد المرات الثلاث آنفة البيان , وهو ما يتأبى على طبيعة العذر القهرى ويتنافر مع مدلولها , بحسبانه حدثا غير مألوف تنتظمه فكرة المفاجأة التى يستحيل توقعها ويتعذر دفعها من جانب أشد الناس يقظة وبصرا بالأمور . ولايحول دون اعتبار العذر قهريا سابقة وقوعه , إذا كان من الندرة بحيث لا يقوم سببب خاص للتنبؤ بحدوثه , ولا يكون فى طاقة من حاق به أن يدفعه أو يمنع أثره . وقد كان الأحجى لدى المشرع أن يقيم ضربا من ضروب التوازن بين التزام الطلاب بأداء الامتحانات فى مواعيد محددة , وبين ما قد يلم بهم من احداث قاهرة تحول بينهم وبين انفاذ هذا الالتزام , وان يحرص – اتساقا مع منهجه – على أن يتجاوزا تلك الاحداث . وحيث أن القول بافراد أصحاب الأعذار القهرية بمعاملة خاصة ينطوى على اخلال بمبدأ المساواة المنصوص عليه فى المادة 40 من الدستور مردود بأن - المقرر فى قضاء هذه المحكمة – أن اعمال حكم هذه المادة , يعتبر كذلك – وبالنظر إلي محتواه – قرين العدل والحرية والسلام الاجتماعى , فلا يكفل أغراضا تقتضيها موازين المساواة المطلقة بين المواطنين جميعهم على مابين ظروفهم وأوضاعهم من فوارق , وهو بذلك لا يردهم جميعا إلي قاعدة صماء , ولا يحول دون التمييز بينهم على أسس موضوعية يكون مبناها تلك العلاقة المنطقية بين النصوص القانونية – باعتبارها وسائل ينتقيها المشرع لينظم بها موضوعا واحدا – والأغراض التي قصد إليها من إجراء هذا التنظيم
لما كان ما تقدم , وكان النص المطعون فيه يناهض مبادئ العدالة والتضامن الاجتماعي , ولا يقيم وزنا للأحداث القاهرة التي تصادف بعض الطلاب , فلا يملكون لها دفعا , كما يهدر كفالة الدولة للحق في التعليم مما أدى إلي ترديه في مخالفة المادتين 7,18 من الدستور
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة : بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة 80 من اللائحة التنفيذية لقانون الجامعات الصادرة بقرار من رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1975 المستبدلة بالقرار رقم 278 لسنة 1981 فيما تضمنه من تحديد عدد المرات التي يجوز تخلف الطالب عن دخول الامتحان فيها بعذر قهري .
أمين السر رئيس المحكمة